كان نفسي أجري وألعب وألبس فستان أحمر وشراب «دانيتل» أبيض.. لكني ما قدرش.. علشان أنا دايماً قاعدة علي كرسي وبابا هو اللي بيمشي بيه وبيا.. كل مرة اسأله.. يبصلي ويطبطب عليا.. وما يجاوبنيش المرة دي.. صرخت وبكيت.. أنت ليه ما بتقوليش.. هي فين؟! رجلي فين يا بابا؟! هذه المرة تدخلت الأم لتضع إجابة رأتها مناسبة - علي سؤال صغيرتها «سماح» رجلك هتكبر معاكي.. سماح كبرت الآن بما فيه الكفاية لتعرف الحقيقة.. قدمها تم بترها بسبب حادث سيارة.. ولن تعود.. «كل سنة كنت أكبر وأبص لرجلي.. ما بتكبرش زي ما أمي قالت.. وهنا بدأ والدي يشرح لي كيف سأستعيض عنها بجهاز سيساعدني علي المشي حينا أو سأسير جالسة علي كرسي متحرك أحيانا.. كنت وقت الحادث تلميذة في سنة خامسة وشاطرة جداً.. لم أستطع بعد الحادث الذهاب إلي المدرسة.. وتولي والدي مسئولية المذاكرة واحد علي ان أكمل تعليمي رغم المعاناة الشديدة التي تحملتها الأسرة كلها.. كلما تذكرت الآن سؤالي.. «فحكت وبكيت» وسألت نفسي سؤالاً آخر.. كيف يعيش السائق الذي تسبب في مأساتي حراً.. يجري بسيارته.. وكم شخصاً دهسه وقتله أو حرقه من قدمه مثلما فعل معي؟ أخبرني أبي.. أن السائق هرب بعد الحادث ولم يعثروا عليه.. قلت لنفسي وحتي لو كانوا قبضوا عليه وحوكم علي جريمته - هل سيعيد ذلك «رجلي» إلي مكانها.. أنا مسجونة خلف سور حديدي ضخم اسمه «الإعاقة» صحيح أكملت تعليمي.. لكنها كانت رحلة عذاب وليست دراسة.. كلما أسير في الشارع أقف حائرة أمام رصيف مرتفع أتذكر اني عاجزة عن القفز فوقه ومواصلة السير، كلما شعرت بالأعياء الشديد بعد خلع الجهاز أبكي ليس من الألم.. ولكني علي انتزاع الرحمة من القلوب.. أعلم بأن الرضا بالمكتوب «عبادة» وأنا راضية قرأت كثيراً عن معاملة من هم مثلي في بلاد أوروبا بل وبعض الدول العربية المتحضرة، بعضها يساعد الأسر التي من بينها ابن معاق ماديا وبشكل غير «مهين» الشوارع والأرصفة والمواصلات كلها مهيئة لهم ولا يزاحمهم فيها الأسوياء دورات المياه في الشوارع متاحة لتعامل ذوي الاحتياجات.. للأسف حياة المعاق في بلدنا عذاب في عذاب وكلما تعثرت في الشارع أو أردت حتي دخول دورة المياه وأنا مريضة سكر.. أقع علي الأرض.. وأبكي بشدة أريد أن أعود صغيرة وأصرخ وأسأل «فين رجلي يا بابا»؟!