«خطوة إلي الخلف»، نداء لطالما وجهه الوفد لنظام مبارك المستبد، بموجبه تصعد الثورة بأبنائها إلي حيث إدارة شئون الدولة، بعد عقود طويلة مريرة ظلت الدولة فيها رهن نظام مبارك وحاشيته الفاسدة. غير أن أملاً في استعادة الماضي ظل يراود البعض منهم، وفي ذلك كان سعيهم شتى، بين فريق آثر الصمت، ومنهم من «دفع» باتجاه إعلاء صوت زملائه، وفريق منهم سعي، والبعض منهم نجح، في التسلل إلي صفوف الأحزاب والكيانات الثورية، بما أتاحته رؤية «جامعة»، لم تكن صحيحة علي إطلاقها، وبما أوجبته شراكات قديمة اتخذت أشكالاً متنوعة، حجبت عن البعض حقيقة انتمائه إلي نظام مبارك. و«إجماعاً» صفق هؤلاء لثورة يونيو، وكأنهم بها يتخلصون من «جزء» من ثورة يناير، إلي أن تسنح الفرصة لبقيتها، وقد فاتهم أن الثورة الشعبية ما هي إلا «قيم جديدة» تطرأ علي المجتمع، من شأنها إحداث تغيرات جذرية في مختلف محاور المجتمع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينال ذلك بالقطع من البني الأساسية في المجتمع؛ وعلي ذلك، لم تكن الجماعة الإرهابية علي صلة حقيقية بثورة يناير، كما لم تكن ثورة يونيو لتتفق مع نظام مبارك في شىء. واستناداً إلي عدم لجوء الثورة المصرية إلي منهج «العزل»، في محاولة لم تنجح، لرأب الصدع المجتمعي لصالح البناء عالياً علي المكتسبات الثورية، دفع البعض بالثورة إلي مسالك عدة شكلت فرصاً أمام عودة نظام مبارك عبر المرحلة الثالثة من خارطة المستقبل. وفي ذلك كان الزعم بقدرة الرأي العام علي إجراء فرز وطني، يستبين منه الوطن طريقه نحو تحقيق طموحات الثورة المصرية، في يناير ويونيو، في تجاهل واضح لما لدينا من موروث سياسي، يرتب أولويات أجندته وفق معايير ليست من قيم الثورة، تلك القيم التي لا يمكن الوثوق فيها قبل تراكمات متصلة لتصبح بعدها ثقافة مجتمعية حاكمة لحركة المجتمع. بيد أن استبعاداً مُخلاً بالمعني، ينشأ جراء إهمال جهود البعض منهم ممن أحكموا وأتقنوا صياغة مواقفهم وفق آليات «الثورة»، فراحوا يتقدمون الصفوف يحميهم في ذلك «اختلاف» هنا أو هناك في علاقتهم بمبارك، أو خبرة مزعومة لم تكن إلا قليلاً من كثير من «جهود» مبارك في إلقاء الوطن إلي الخلف عشرات السنين، وربما أفادهم في ذلك قلة خبرة البعض من داخل الصف الثوري، وعدم اتزان خطوة البعض الآخر بفعل حالة «عدم اليقين» التي تفرزها دائماً المراحل الانتقالية في أعقاب الثورات الشعبية. واليوم ونحن علي أعتاب الاستحقاق البرلماني، وقد نجح أعداء الثورة في احتلال مواقع بارزة في المشهد الداخلي، شكلت في مجملها حوافز قوية لزملائهم في نظام مبارك، بقدر ما مثلت تشوهات واضحة في المشهد لا يمكن في ظلها التأكيد علي صحة الطريق. والأمر علي هذا النحو لا يكفيه قانون تجريم إهانة ثورتي يناير ويونيو؛ ذلك أن الثورات الشعبية محلها الضمير الإنساني، و«العمل» بموجب مبادئها، والسعي صوب أهدافها، فليس لثورتنا أن تموت أمام شاشات الفضائيات المملوكة لنظام مبارك، كذلك لن تبلغ ثورتنا أهدافها بقانون في مواجهة من عاشوا عقود حكمهم فوق القانون. وأمام رفض نظام مبارك التراجع خطوة إلي الخلف، بات البحث واجباً في حقيقة الوجهة التي نحن بصدد بلوغها بموجب البرلمان المقبل؛ ومن ثم تنشأ علامات استفهام كثيرة، مُحرزة مشروعيتها، في مجملها تزيد ولا تبدد حالة «عدم اليقين» السائدة؛ ومن ثم فلتكن لنا إذن «خطوة إلي الأمام» بموجبها تتسع المسافة بين النظام الحاكم ونظام مبارك، وتتيح تقارباً علي نطاق واسع مع القوى الثورية المنوط بها قيادة العملية الديمقراطية، بما تمثله من تعددية سياسية حقيقية. «الوفد»