في وقت تتسارع الصراعات، وتتشابك الأزمات، وتتهاوى مؤسسات الدول أمام ضغوط الحروب والنزاعات والتهجير، تظهر على خريطة إفريقيا نقطة مُضيئة تشع برؤية واضحة وتوازن سياسي نادر، إنها «القاهرة» التي اختارت أن تتحول من مُراقب للوضع الإفريقي لقائد فعلى لملف إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات. ◄ السيسي: العدالة التعويضية مفتاح إعادة بناء الإنسان والدولة ◄ خُبراء: حدث مؤسسي وبوصلة لتوجيه الجهود الإفريقية نحو بناء الدول ◄ سياسيون: يعكس الالتزام بدعم القارة بمجالات السلم والأمن والتنمية فحينما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي - بصفته رائد الاتحاد الإفريقي لملف إعادة الإعمار والتنمية إطلاق النسخة الخامسة من أسبوع الاتحاد الإفريقي للتوعية بإعادة الإعمار، بدا واضحًا أن مصر لا تتعامل مع الملف كمجرد مُناسبة سنوية، بل كمشروع تاريخي لإحياء الدول التي مزقتها الحروب وإعادة بناء الإنسان الإفريقى نفسه. تحت شعار «إعادة بناء الحياة بعد النزاع من خلال العدالة التعويضية»، تتحول القاهرة خلال الفترة من 17 إلى 23 نوفمبر 2025 لورشة عمل كبرى تجمع صناع القرار والخبراء والسياسيين والباحثين الأفارقة والدوليين، فى محاولة لوضع خريطة طريق جديدة للقارة التى أنهكتها الصراعات لعقود، هذا الأسبوع برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يعد مُجرد فعالية بروتوكولية، بل أصبح منصة استراتيجية ترسم مُستقبل السلام والتنمية فى إفريقيا، وتُعيد تموضع مصر باعتبارها المركز الرئيسى لإعادة الإعمار فى القارة. يُجمع الخُبراء على أن أسبوع إعادة الإعمار يُمثل اليوم أكبر منصة إفريقية مُشتركة لمُناقشة مُستقبل الدول التى خرجت من رحى الحروب، حيث تلتقى فيه الرؤى الحكومية مع طموحات المُجتمع المدنى، ودعوات الخُبراء مع خطط المؤسسات الدولية. ووفقًا للخبير بالشئون الإفريقية رامى زهدى أصبح أسبوع إعادة الإعمار حدثًا مؤسسيًا تقوده مصر ويُنظر إليه على أنه البوصلة التى توجه الجهود الإفريقية نحو بناء الدول، خاصة فى ظل تزايد النزاعات وضعف المؤسسات الوطنية فى عدد من الدول، لافتًا إلى أنه مُنذ أن تولت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى 2019، أعادت القاهرة هذا الملف للواجهة، وأعادته أيضًا لأصحابه الطبيعيين وهم الشعوب الإفريقية. ◄ اقرأ أيضًا | الرئيس السيسي يشكر بوتين على مشاركته في فعالية الضبعة النووية ◄ نموذج مُلهم وأضاف زهدى أن مصر أثبتت قدرتها على إعادة الإعمار والتنمية، وقدّمت نموذجًا مُلهمًا بعد 2014، تجاوزت فيه التحديات المالية والزمانية، لتصبح ركيزة أساسية فى دعم الاستقرار بالقارة الإفريقية، لافتًا إلى أن إطلاق النسخة الخامسة من أسبوع إعادة الإعمار والتنمية يؤكد ريادة مصر فى هذا المجال، خاصة مع خبراتها فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية وإرسال الكوادر الفنية للدول الإفريقية، مُشيرًا إلى أن القارة الأكثر تعرضًا للنزاعات هى الأكثر احتياجًا لهذه المُبادرات، موضحًا أن الرؤية المصرية تعتمد على تحويل الصراعات لفرص تنموية، وجعل إفريقيا شريكًا سياسيًا واقتصاديًا عالميًا، مؤكدًا أن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي يعكس روحًا إيجابية صادقة، تدعو لتنسيق الجهود بين الدول الإفريقية لتجاوز التحديات، كما أكد أن مصر تؤمن بأن قوة واستقرار إفريقيا يُعزز من قوتها، وتسعى دائمًا لدعم القارة بروح شريفة ومصالح مُشتركة. وعن الضرورة الاستراتيجية لهذا الأسبوع، أوضح أن القارة تواجه فى الوقت الحالى انتشار الإرهاب، والنزاعات المسلحة الداخلية، وتراجع التنمية بمناطق الصراع، وهشاشة مؤسسات الدولة، وموجات نزوح ولجوء واسعة، علاوة على تأثيرات تغير المناخ، ورغم ذلك تمتلك إفريقيا - كما وصفها الرئيس السيسى - رصيدًا بشريًا وطبيعيًا يجعلها قادرة على النهوض إذا توافرت الإرادة والقيادة والرؤية، مُشددًا على أنه منذ توليه ملف إعادة الإعمار داخل الاتحاد الإفريقى، غير الرئيس السيسى مفهوم الملف بالكامل، فلم يعد يعنى مجرد إعادة بناء الطرق والجسور، بل إعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتأهيل الإنسان، وضمان العدالة للضحايا، وتحقيق المُصالحة داخل المُجتمعات، وتمكين المرأة والشباب، ومنع تجدد النزاعات. ◄ فلسفة مُتكاملة الرئيس السيسي أول قائد إفريقى يربط بشكل منهجى بين إعادة بناء الدولة وبين العدالة الانتقالية والعدالة التعويضية، وهذه ليست مُجرد رؤية سياسية بل فلسفة مُتكاملة تبنى مُستقبل القارة، بحسب اللواء الدكتور رضا فرحات أستاذ العلوم السياسية، والذى يؤكد أن هذا المؤتمر يُمثل خطوة محورية فى دعم جهود الاتحاد الإفريقي نحو الاستقرار والبناء كما أنه أصبح منصة أساسية لتبادل الخبرات وتعزيز الرؤى المُشتركة بين الدول الإفريقية حول آليات التعافى وإعادة البناء، مُشيرًا إلى أن استضافة مصر لهذا الحدث تعكس التزام الدولة بدعم المُبادرات الإفريقية الرامية لتجاوز آثار النزاعات، وتُعزز مكانتها كقلب للعمل الإفريقى المُشترك فى مجالات السلم والأمن والتنمية، منوهًا إلى أن كلمة الرئيس السيسى تضمنت قراءة دقيقة للتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التى تواجه إفريقيا، بما فى ذلك الإرهاب والنزاعات الداخلية والأزمات العابرة للحدود، إضافة لانعكاسات الفقر وتراجع الخدمات الأساسية وتحديات تغير المُناخ والتطور التكنولوجى غير المُنضبط، مؤكدًا أن هذه القضايا تتفاقم فى ظل التطورات الدولية الراهنة وحالة الاستقطاب العالمى، مما يُزيد الضغوط على الدول الإفريقية ويُحد من قدرتها على تنفيذ برامج التنمية المُدرجة ضمن أجندة إفريقيا 2063. وأوضح أن الرؤية المصرية ركزت على ضرورة تبنى حلول شاملة لمُعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، مع تعزيز المؤسسات الوطنية، ودعم الملكية الوطنية للحلول، وتأهيل الكوادر، وإشراك الشباب والمرأة باعتبارهم عماد التنمية والاستقرار كما أكدت أهمية العدالة التعويضية فى المصالحة الوطنية وإعادة دمج الضحايا فى المجتمع، مُشيرًا إلى أن هذا التوجه يُمثل خطوة مُتقدمة فى مسار بناء السلام المُستدام داخل الدول الخارجة من النزاع، مُضيفًا أن التزام الرئيس الشخصى باستمرار بذل الجهود والتنسيق مع القادة الأفارقة ومفوضية الاتحاد الإفريقى يبعث برسالة طمأنة لشعوب القارة، مفادها أن مصر ستبقى شريكًا رئيسيًا فى مسار السلم والتنمية داخل إفريقيا، وأنها مُستمرة فى دعم كل الجهود الرامية لتحقيق أهداف أجندة إفريقيا 2063، وصولًا إلى قارة مُستقرة مُزدهرة تملك قدراتها ومُقدراتها وتستجيب لتطلعات أبنائها فى الأمن والسلام والرخاء. اختيار القاهرة مقرًا لمركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية لم يكن صدفة بل نتيجة طبيعية للدور المصرى المُتصاعد فى القارة خلال السنوات الماضية، فقد أصبح المركز الأول فى إفريقيا لإعداد خطط إعادة الإعمار، وتنفيذ برامج ميدانية فى الدول الخارجة من النزاعات، ونفذ أعمالًا ميدانية فى جنوب السودان، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وإفريقيا الوسطى، وموزمبيق، وليبيا وتنوعت برامجه بين التدريب، وبناء القدرات، وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة. هذا ما يؤكده الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، لافتًا إلى أن مصر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقارة الإفريقية على مُختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية، مؤكدًا أن هذا الارتباط تعزز خلال فترة رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، حيث لعبت دورًا بارزًا فى دعم أجندة القارة والمشاركة فى لجان عديدة معنية بالتكامل والتنمية، مُضيفًا أن مصر مُنخرطة بعمق فى القضايا الأمنية الإفريقية، خاصة ما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتداعياته على استقرار الدول، مُضيفًا أن التحرك المصرى فى إفريقيا يعتمد على عدة محاور، يأتى فى مُقدمتها المحور الإفريقى الذى يمثل أحد أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية، مُشددًا على أن الدور المصري يحظى بتقدير واسع على المستويين الإقليمى والدولى. ◄ وعي عميق وعن اختيار العدالة التعويضية موضوعًا للنسخة الخامسة، قال إنه يعكس وعيًا مصريًا عميقًا بطبيعة التحديات التى تواجه المُجتمعات الإفريقية بعد الحروب، فالشعوب لا تبدأ من جديد إلا عندما تشعر أن الدولة اعترفت بألمها، والتعويض ليس مالًا فقط بل اعتراف، وكرامة، ومُشاركة فى كتابة المُستقبل، وقد طورت مصر عبر المركز الإفريقى برامج للعدالة المُجتمعية والمُصالحة تستهدف علاج آثار العنف داخل الأسر، وإعادة دمج النازحين، وتسوية النزاعات بين القبائل، وتقديم دعم نفسى للضحايا، ووضع قوانين تضمن حقوق المُتضررين من النزاعات. تعتبر القاهرة أن أجندة 2063 ليست مُجرد وثيقة، بل إطار عمل يجب تحويله لبرامج واقعية. وهُنا يُشير الخبير فى الشأن الإفريقى الدكتور رمضان قرنى إلى أن مصر لم تنظر لإفريقيا كعبء، بل كشريك طبيعى استراتيجى، ومن هنا جاءت توجيهات الرئيس السيسى بالالتزام الشخصى بدعم ملف إعادة الإعمار حتى يتحقق حلم إفريقيا الجديدة، وتقود مصر في هذا الإطار مشروعات استراتيجية مثل الربط الكهربائى مع السودان وجنوب السودان، ومشروعات النقل البرى مع دول حوض النيل، ومشروعات طرق دولية بين القاهرة وكيب تاون، ومراكز التدريب المُشتركة، مُشيرًا إلى أهمية الدور الذى يقوم به مركز القاهرة لتسوية المُنازعات وحفظ السلم والأمن - التابع لوزارة الخارجية - والذى يُعد من أبرز مراكز تسوية النزاعات فى إفريقيا وعلى المستوى الدولى، حيث نظم عشرات الدورات لبناء قدرات الكوادر الإفريقية فى مجالات حفظ السلام وإدارة النزاعات، كما تعمل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى نحو 26 مجالًا تنمويًا داخل إفريقيا، وهو ما يجعلها عنصرًا جوهريًا فى جهود الإعمار والتنمية. وأضاف أن الفلسفة المصرية فى هذا الملف تقوم على ثلاث ركائز أساسية، أولها الواقعية السياسية والاقتناع بأن كل صراع، مهما طال سينتهى فى لحظة ما، ما يفرض ضرورة الاستعداد لمرحلة إعادة بناء الدولة فور توقف النزاع، وثانيها الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، وهو مبدأ تبنته مصر بقوة منذ 2019، ويقوم على دعم الكوادر الوطنية فى إدارة ملفات الإعمار ومكافحة الإرهاب، خصوصًا فى مناطق الساحل والصحراء، والركيزة الأخيرة هى إدراك محدودية الموارد الإفريقية والحاجة المُلحة لتمويل عادل لعمليات التنمية، ومن هنا جاءت التحركات المصرية لخلق شراكات ثلاثية تضم الحكومات الإفريقية ومؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص، مع التواصل المُستمر مع الشركاء الدوليين مثل الجايكا اليابانية والبنك الإسلامى للتنمية، مُشيرًا إلى أن مصر تلعب دورًا مهمًا فى الدعوة إلى إسقاط الديون عن الدول الإفريقية بما يساعدها على إعادة البناء وتحقيق تنمية مُستدامة.