في إطار من المسئولية الوطنية، وإدراك حقيقي لمجمل القضايا الوطنية الأساسية، لا ينبغي أن تحجبنا الثقة عن مراجعات ومصارحات جادة ومخلصة، علي محاور عدة من العمل الوطني، نلتمس بها نتائج أفضل، وتكلفة أقل، في مواجهة الدولة لما يجابهها من تحديات ومخاطر، باتت لا تغيب تداعياتها عن الجميع في ظل ما يسود المشهد الإقليمي، فضلاً عن الساحة الداخلية. فليس من شك في ارتفاع تكلفة الإهمال، والتراخي عن الالتزام بالقانون، ومقتضياته، حتى بات الأمر ظاهرة مجتمعية تؤكد رسوخ ثقافة اللا مبالاة، وضعف يد القانون، وتغييبها عمداً في كثير من الأحيان، في وقت رصدنا فيه الدولة القانونية هدفاً لثورتنا المجيدة، يجسد نجاح الثورة في إحداث تغيرات جذرية في القيم المجتمعية السائدة، وهو ما يمثل جوهر مفهوم الثورات الشعبية. وفي هذا السياق، لا ينبغي أن يمنعنا شيء عن مراجعات ومصارحات تزيد من حجم التوقعات باتجاه ممارسات تنتمي لمبادئ وقواعد الحكم الرشيد، ولا تخفي طويلاً، عجزها عن معالجة مشكلات الوطن، كما عودتنا العهود السابقة، خلف «توجيهات الرئيس»، و«خطط رفع المعاناة عن محدودي الدخل»، بينما الخوف ينمو في القلوب، والأحزان تتجدد، ولا تكاد تفارق خطواتنا علي طريق اختاره الشعب بإرادته الحرة، ولن يتراجع عن المضي قدماً نحو إنفاذ إرادته الحرة تحت وطأة معاناته اليومية. غير أن تصحيحاً علي نحو أسرع وأفضل، يظل رغبة مشروعة، لا ينبغي مقابلتها بخطاب التخوين والعمالة والرمي بمحاولة شق «الصف الوطني»؛ فليس في ذلك إلا تزيداً معيباً لم يعد لدى الوطن متسع لتبعاته سيئة الذكر التي عاني منها طويلاً؛ في ظل ثقافة «كله تمام» التي أرستها أنظمة حاكمة لم تكن علي صلة ذات شأن بقواعد العملية الديمقراطية، وهو أمر لا ينبغي السماح بتكراره في ظل ثورة نحرص علي نجاحها في إحداث تغيرات جذرية في القيم المجتمعية السائدة، وعلي رأسها كل ما يجسد مبادئ الحكم الرشيد من شفافية ومساءلة ومحاسبة في ظل سيادة حقيقية للقانون. والواقع أن المشهد الداخلي، يشهد في بعض جوانبه المهمة، تدنياً في مستويات الأداء التنفيذي عن اللحاق بالطموحات الشعبية المتزايدة، وبما تفرضه خطورة المرحلة التي هي بالقطع لا تملك رفاهية الفشل، أو إعادة ما قد يتم بناؤه بالخطأ. غير أن نمواً لحالة عدم اليقين، ينشأ كون الأمر يأتي بالتوازي مع إشارات سلبية عديدة، تلقتها القوى الثورية الوطنية المخلصة، عبر كثير من الفعاليات التي شهدتها الساحة الداخلية منذ ثورة الثلاثين من يونيو، كلها تصب في رصيد عودة نظام مبارك الفاسد، والذي لا ينبغي أن يفوتنا التأكيد علي كونه الوجه الآخر لجماعة الإخوان الإرهابية، بحكم الكثير من القواسم المشتركة بينهما، وتقاسمهما النظام السياسي علي مدى عدة عقود، تم فيها إفراغ الحياة السياسية من أي دور حقيقي للأحزاب السياسية، في إشارة إلي عدم الرغبة في مشاركة سياسية حقيقية تقودها الأحزاب باعتبارها القنوات الطبيعية لمختلف التيارات السياسية، وهو ما كررته تجربة حكم الإخوان؛ فليس أدل علي ما بينهما من مصالح مشتركة من مفهوم «الحكم الاحتكاري» نهجاً حاكماً لممارسة السلطة، الأمر الذي نشأ عنه وحدة الآلية التي لجأ إليها الشعب للخلاص منهما تباعاً، فكانت الثورة في يناير ويونيو علي التوالي، وهو أمر لم يعد الوطن يحتمل دفعاً باتجاه إعادة إنتاج أسبابه. وعليه، فليست إلا المسئولية الوطنية تدفعنا إلي المطالبة بمراجعات ومصارحات حقيقية وجادة، باتت واجبة وملزمة لكل من يتصدى للعمل الوطني، لا يخشي في ذلك «لومة لائم»؛ فليس في ذلك إلا أصداء للخطاب الداعي إلي اعتبار ثورة يناير «مؤامرة خارجية»!، وليس في ذلك إلا دعوة إلي إعلاء شأن الزعم بأن ثورة يونيو ما هي إلا «انقلاب»!، وليس وراء ذلك إلا أتباع مبارك وبديع. «الوفد»