مرحلة جديدة تخطوها ثورتنا المصرية مع حكومة المهندس إبراهيم محلب، تتجدد فيها الآمال بإنجاز يجسد الطموحات الثورية التي دفعت بالملايين إلي النهوض بثورتهم في مواجهة نظام الإخوان الإرهابي، ومن قبله نظام مبارك المستبد. ولا شك أن خارطة المستقبل، بما تضمه من خطوات محددة، ليست هدفاً في حد ذاتها، قدر ما هي منهج لبلوغ غايتنا في بناء نظام سياسي جديد، يمكن علي أساسه إقامة دولة ديمقراطية حديثة، تضع الوطن في موقعه المستحق، استناداً إلي تاريخه الحضاري، وبموجب الثورات المتتابعة لأبنائه سعياً إلي حياة كريمة حرة. وإذا كانت عملية التحول الديمقراطي المنشودة لا تقتصر علي مجموعة من الإجراءات الشكلية، دون سند من واقع يفرض ذاته علي المجتمع بشتى محاوره؛ فإن خطوات خارطة المستقبل تظل قاصرة عن بلوغ أغراضها إن لم تتم في إطار واضح من تغير جذري للقيم السائدة والحاكمة لحركة المجتمع. ولعل أبرز تلك التغيرات ما يتعلق بوضعية الرأي العام في المجتمع، ومجمل الخطاب السياسي الموجه له من قبل القائمين علي إدارة شئون الدولة، فضلاً عن كيفية تفعيل دوره في رسم توجهات الدولة علي الصعيدين، المحلي والدولي علي السواء. من هنا فإن مصارحة الشعب بالحقائق، أمر لا بديل عنه في ظل عملية تحول ديمقراطي حقيقي، وفي ذلك لا ينبغي أن تمنعنا خشية من أن تسفر المصارحة عن انخفاض منسوب وضعية طرف ما أمام الرأي العام، أو كشف ما لا يراه طرف آخر داعماً لصعود أسهمه في الفترة المقبلة. فحقيقة الأمر أن المجتمع المصري بات غير قابل لاحتواء وإخفاء ممارسات بالية، لا تنتمي علي الإطلاق لمبادئ الثورة المصرية المجيدة، ولا تتبني مطالبها المشروعة التي عبرت عنها الملايين، في الخامس والعشرين من يناير، وأكدت عليها في الثلاثين من يونيو. فليس من شك أن المزاعم التي روجت طويلاً عن ضعف قابلية الشعب المصري للممارسة الديمقراطية، هي جزء من موروث بغيض تركه نظام مبارك المستبد، بعد أن حاول به تبرير عدم إجراء إصلاحات سياسية حقيقية وجادة، كان من شأنها، لو تمت بإرادة سياسية مخلصة، أن تدفع بالوطن إلي ما هو أفضل علي طريق عملية التحول الديمقراطي، التي نبدأها الآن من الصفر، بعد إزالة ما تعاقب علي الوطن من أنظمة فاشلة استبقت منافعها علي حساب المصالح الوطنية. وعلي ذلك فإن الرأي العام، في ظل عملية جادة للتحول الديمقراطي، لا ينبغي أن يُحتجز في مقاعد المشاهدين والمتابعين لمجريات الأمور علي الساحة السياسية، تقودهم في ذلك مجموعات منظمة تتخذ من وسائل الإعلام مقوداً، تتحدث منه باسم الشعب، أكثر من حديثها عن الشعب وآماله وآلامه. وفي هذا الإطار، فإن مطالبة الشعب بتحمل تبعات وأعباء ثورته، هو أمر لا ينبغي أن يتم بمعزل عن التزام واضح من قبل القائمين علي إدارة شئون الدولة بالأخذ بمعايير الحكم الرشيد، بما لذلك من تداعيات تتنافي ومصالح بعض «العالقين» بمقاعد الحكم أياً كان من يجلس عليها. «الوفد»