لا شك أن للإعلام أهمية بالغة في تشكيل وتوجيه الرأي العام، خاصة في ظل الدور المتنامي لقادة الرأي في المجتمعات النامية، وهو ما يمثل مسئولية وطنية لا ينبغي التخفف منها تحت سطوة مزاعم كاذبة تجعل من حرية الرأي والتعبير معبراً لعودة نظام مبارك الفاسد. والواقع أن نظام مبارك، لا يمكن اختزاله في مجموعة من الأشخاص، قدر ما هو منهج حاكم، لسياسات وممارسات لا تتبني القيم الديمقراطية التي نادت بها كافة الثورات الشعبية، باعتبار حقوق الإنسان من القيم الإنسانية المركزية في الضمير العالمي. من هنا فإن المواطن البسيط الذي نهضت الثورة من أجله في المقام الأول، لا تخفي عليه تلك المساعي الحثيثة المبذولة من جانب نظام مبارك، للعودة إلي المشهد السياسي، سواء بوجوه جديدة تحمل ذات الفكر الشمولي الاحتكاري، أو بذات الوجوه الكريهة التي طالما ضللت الرأي العام، وروجت لأكاذيب أسيادها في السلطة، ما كان له بالغ الأثر في استمرار نظام مبارك المستبد علي مدى عقود طويلة، لم يكن مؤهلاً لاجتيازها لو أن إعلاماً حراً وشفافاً أيقظ الضمير الوطني. وعليه فقد تحمل إعلام الدولة، تداعيات ارتباطه الوثيق بالنظام حتى وصف بأنه إعلام نظام مبارك، ما جعل أبناءه في مواجهة لا تصح علي الإطلاق مع ثورة يناير المجيدة، تلك الثورة التي جاءت لتعلي من قيم الحرية، وهي بالأساس روح كل إعلام مهني أمين. وتجاوباً مع الثورة المصرية المجيدة التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير، سعي البعض من أبناء إعلام الدولة إلي التأكيد علي حقيقة انتمائهم للدولة، لا للنظام، غير أن النظام الإخواني سرعان ما نجح في اختطاف الثورة، فعاد بإعلام الدولة إلي سيرته الأولي، كإعلام تابع للنظام الحاكم، ما يؤكد وحدة الأدوات السياسية بين نظام الإخوان السابق، ونظام مبارك الأسبق، حيث لا مجال لممارسة ديمقراطية جادة في ظل ما يجمعهما من قواسم مشتركة جعلت منهما هدفاً مشتركاً للثورة المصرية بامتدادها التصحيحي في الثلاثين من يونية، علي خلاف ما يدعيه أنصار نظام مبارك بشأن «تعلقهم» في الثلاثين من يونية. فلم تخرج الملايين في الثلاثين من يونية لتزيح مجموعة من الأشخاص، قدر ما سعت إلي التأكيد علي حتمية تطبيق القيم الديمقراطية، كسبيل وحيد لبلوغ الثورة أغراضها في بناء نظام سياسي ديمقراطي، وهو ما يؤكد أن «احتماء» نظام مبارك خلف الشعارات التي نادت بها الملايين في الثلاثين من يونية، لا يكفي لستر ما اقترفوه في حق الشعب؛ ومن ثم لن يتيح لهم عودة مشروعة إلي المشهد السياسي. ولعل ثقة نظام مبارك في ذلك كبيرة، بقدر ثقتهم فيما حققه لهم «إعلام نظام مبارك» من قدرة علي تزييف الحقائق؛ وبالتالي بات الأمر جلياً أمامهم، أن لا مجال لهم أمام بلوغهم غايتهم في العودة إلي المشهد السياسي دون إعلام يطلون منه بوجوههم الكريهة، وأصواتهم المنكرة، يزيفون التاريخ، ويلونون الواقع، وينظرون لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة باعتبارها مؤامرة أمريكية، وكأن نظام مبارك لم يكن مطية طيعة لينة لكثير من الممارسات الأمريكية في المنطقة، طلباً لموافقة أمريكية علي توريث الحكم في مصر! ليظل الإعلام، بكافة أنماطه، متمسكاً بما قدمته له الثورة المصرية المجيدة من قيم وضمانات حقيقية، تدعم حرية الرأي والتعبير، بيد أن الثورة المصرية لا ينبغي تناولها باعتبارها مجرد «وجهة نظر»! «الوفد»