انطلاقاً من كون الثورة الشعبية منوط بها إحداث تغيرات جذرية حقيقية في منظومة القيم المجتمعية الحاكمة، فقد أثبتت الممارسة العملية للاستحقاق الرئاسي أن تغيراً جاداً، صوب الأفضل، حدث بشكل أو بآخر، وبدرجات متفاوتة. ولعل أهم ما يمكن رصده في هذا الشأن، مدى تقبل المجتمع للرقابة الدولية علي العملية الانتخابية، وهو أمر لم يكن منه بد في سبيل التأكيد علي نجاحنا في تجسيد مضمون مبادئ الثورة المصرية، تجسيداً نتسق به وطموحاتنا نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة. كذلك فإن غياب انتهاكات ممنهجة، من شأنها التأثير علي نتيجة الانتخابات الرئاسية، يُعد مؤشراً ينبغي العمل علي تنمية دلالاته فيما يتعلق بتوجهات الدولة المصرية في المرحلة المقبلة، وهي المرحلة التي ستشهد محاولات ترسيخ نظام سياسي جديد، يتبني القواعد الديمقراطية المتعارف عليها في المجتمعات المتحضرة. يسبق ذلك الانتخابات البرلمانية، الأكثر سخونة، والأشد أثراً علي اتجاهات القيم السائدة في المجتمع المصري، بموجب ما لها من تداخل مع ثقافة مجتمعية تنتمي إلي عهود غير ديمقراطية، لم تعد صالحة لإعادة استخدامها ونحن علي أعتاب إكمال المؤسسات الدستورية للدولة؛ ومن ثم ينبغي أن تؤكد الانتخابات البرلمانية المقبلة علي المتغيرات الإيجابية التي ظهرت في الاستحقاق الرئاسي، ما يعطي دلالة واضحة إلي أننا بصدد إنتاج برلمان يعبر بالفعل عن كونه برلمان الثورة، ننطلق من خلاله لنرسي دعائم ما جاء في الدستور من مبادئ سامية. ودفعاً باتجاه تعميق الممارسة الديمقراطية، وتمسكاً بالطموحات المتزايدة التي صنعتها الثورة في وجدان الشخصية المصرية، فإن التغيرات الإيجابية التي كشفت عنها الانتخابات الرئاسية، لا ينبغي أن تمنعنا من الإقرار بأنه بالقطع قد كان هناك أفضل مما كان، سواء علي سبيل إدارة العملية الانتخابية، أو فيما يتعلق بالحملات الدعائية للمرشحين علي السواء، وكذلك وبشكل عام، فيما هو مرتبط بالتغطية الإعلامية، من جانب الإعلام الرسمي والخاص علي السواء. فليس من شك أن مراجعات دقيقة واجبة، لا ينبغي أن تتأخر كثيراً في ظل زحام المشهد الوطني، نبحث بها في مستويات الأداء فيما سبق الإشارة إليه، وربما في غيرها من محاور العملية الانتخابية، ودون ذلك لا يحق لنا أن نثق في إرساء وتعميق ثقافة مجتمعية جديدة، تقود المجتمع بالفعل نحو إنجاز طموحاته المشروعة التي عبرت عنها الثورة المصرية. من جهة أخرى، فقد أشارت النتائج الأولية الصادرة عن لجان الانتخابات، العامة والفرعية، إلي مجموعة من المؤشرات التي لا ينبغي أن نتخلف عن دراستها، دراسة علمية، بعيدة عن أي صخب إعلامي، أو مزايدات سياسية، نخلص منها إلي كشف حقيقة توجهات الرأي العام، واستشراف دلالاتها المستقبلية، وكيفية التغلب علي ما بها من سلبيات، وسُبل الاستفادة من إيجابياتها، وهي أمور لا ينبغي التقليل من شأنها، إذا ما أردنا إحداث تغير جذري آخر في إدارة شئون الدولة علي نحو يؤكد صدق توجهاتنا نحو الأخذ بالأسس العلمية، والتأكيد علي أهمية المعلومة الصحيحة، كسبيل وحيد للحاق بمجتمعات باتت علي طريق التنمية الشاملة، علي مسافات بعيدة جداً من المجتمع المصري، وقد كنا معهم رفقاء طريق منذ عقود قليلة. ويبقي الأفضل في الاستحقاق الرئاسي، الأداء الراقي والمتميز من جانب المتنافسين علي منصب الرئاسة، فقد أكد المشير عبد الفتاح السيسي، والسيد حمدين صباحي علي جدارتهما في التعبير عن قيم الثورة المصرية؛ ومن ثم فكما حملت الإرادة الشعبية الحرة السيسي رئيساً إلي أعتاب القصر الرئاسي، تحوطه مسئوليات ضخمة، فقد جسد صباحي تاريخه البطولي، وأكد حاجة المعارضة الوطنية إلي جهوده المخلصة. وأخيراً، لم يعدم الاستحقاق الرئاسي نصيبه من المنافقين، والمتسلقين لأسوار السلطة، من الآكلين علي كل الموائد، وغيرهم من محترفي صناعة الآلهة، فمازال بعيد المنال حلم التخلص من بقايا الأنظمة الفاسدة المستبدة، غير أن مواجهتهم باتت مسئولية وطنية مشتركة ومُلحة، قدر حرصنا علي الإخلاص للقيم السامية، والأهداف النبيلة، التي أعلت الثورة المصرية من شأنها. «الوفد»