ليست الانتخابات إلا أداة ديمقراطية من شأنها تجسيد مشاركة الشعب فى العملية السياسية فى أبهى صورها؛ ومن ثم فإن الانتخابات الرئاسية التى يشهدها الوطن ليست هدفًا فى حد ذاتها، قدر ما هى وسيلة ينبغى الحرص على إدراكها لجوهر الممارسة الديمقراطية على نحو سليم. وتأسيسًا على ذلك، لا ينبغى الخوض فى تفاصيل، لها دلالاتها بالقطع، إلا أنها لا تكفى للحد من الطموحات المشروعة التى غرستها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وروتها الملايين الثائرة فى الثلاثين من يونية؛ ومن ثم علينا أن نبنى على ما أنجزناه، دون اكتراث بصغائر الأمور التى تزيد من علو أصوات أعداء الثورة. فمع نهاية فعاليات السباق الرئاسي، نكون قد أنجزنا الاستحقاق الثانى الوارد فى خارطة المستقبل التى أفرزتها الإرادة الشعبية الحرة فى الثلاثين من يونية، ويتبقى لنا الاستحقاق الثالث المتمثل فى الانتخابات البرلمانية، وهى الانتخابات الأكثر سخونة فى المجتمع المصري، نظرًا لتنوع وتعدد أطرافها، فضلًا عن ارتفاع أسهم البرلمان المقبل فى إدارة العملية السياسية. فليس الوطن فى وضع يسمح لنا بالخوض فى الانتخابات البرلمانية، بينما الحديث المجتمعى ما زال منحسرًا فى أحاديث جانبية وخلفية، لا تسهم فى كشف غموض الانتخابات البرلمانية، خاصة فى ظل وجود مشروع لقانون الانتخابات البرلمانية، ينتمى إلى ما قبل الثورة المصرية، ولا يتبنى الطموحات الواجبة نحو حياة سياسية تعددية، تقودها أحزاب قوية، ترتكز وفق قواعد الحكم الرشيد، حيث العمل المؤسسي، وسيادة القانون، والشفافية، وغيرها من المعايير الحاكمة للأداء الديمقراطى فى إدارة شئون الدولة الديمقراطية الحديثة التى ننشدها. فلا ينزعن أحدهم فرحة الانتصار الذى حققته الثورة المصرية المجيدة، من الوجوه التى عبست طويلًا جراء أنظمة حاكمة فاسدة ومستبدة، لطالما أفشلت الدولة المصرية، ورسخت آلامهم تحت وطأة صعوبات جمة أحاطت بتفاصيل حياتهم اليومية، باعدت بينهم وبين آمالهم فى حياة كريمة حرة، تتفق وحضارتهم التى ألهمت العالم على مدى آلاف السنين. طويل وشاق طريقنا صوب إنجاز مطالب الثورة المصرية، ويخطئ من يضعنا فى نهاية الطريق الصعب، بينما الحال أننا فى مستهل معركتنا الرئيسية، معركة البناء، ولم شمل أبناء الوطن بعد معاناة طويلة مع الاستقطاب والصراع السياسي، كانت واجبًا مستحقًا لابد من أدائه فى سبيل إنجاح ثورتنا. فلا نملك إذن إلا رؤية مستقبلية نستشرف بها آفاق مستقبل أفضل نقدمه إلى أرواح شهداء الثورة، مثلما هو مكتسب مستحق للأجيال الشابة التى أشعلت الثورة، وكانت وقودها، ولهبها فى وجوه أعدائها، وميراث جديرًا بأن يعبر عن تفرد الثورة المصرية بحرصها على نصيب الأجيال القادمة منها. ستمضى الثورة المصرية تحصد أهدافها، بينما إلى زوال كل أعداء الوطن، وليكن حرصنا على تمسكنا بالقيم الثورية النبيلة، هو كل ما نملك تجاه اكتساب تأييد المجتمع الدولى الحر؛ فليس يذكر التاريخ أن الأسرة الدولية واجهت إرادة شعب سعى نحو حياة كريمة، تستند إلى كافة المبادئ الأممية السامية، فكيف الحال إذن إن تعلق الأمر بدولة بقدر وحجم مصر، وبدورها التاريخى فى رسم التوجه الإقليمي. فرحة النصر إذن حق لنا جميعًا نحن أبناء الوطن أصحاب الثورة، نصونها بحرصنا على قيم ومبادئ الثورة، لتظل الآمال مشروعة صوب حياة كريمة حرة. «الوفد»