خطوة مرحلية جديدة تخطوها اليوم الثورة المصرية، مع انطلاق حملة الدعاية الانتخابية المصاحبة للسباق الرئاسي، كسبيل لإدراك الاستحقاق الثاني في خارطة المستقبل، وهي خطوة كفيلة بتأكيد مصداقية الجهود الوطنية المخلصة، وانحيازها للإرادة الشعبية الحرة التي عبرت عنها الملايين في الثلاثين من يونية، تأكيداً لمبادئ ثورة يناير المجيدة. من هنا فإن جميع الممارسات التي ستشهدها فعاليات تلك الخطوة، يمكن الاستدلال بها علي مدى ما بلغته الثورة علي طريق إحداث تغيرات جذرية في المجتمع المصري، نؤسس بها لثقافة مجتمعية جديدة تعلي من شأن قيم الديمقراطية، الداعية إلي سيادة القانون والشفافية. فليس يدفع بنا إلي الأمام علي طريق الديمقراطية، الاستمرار في انتهاج ممارسات بالية، ظلت لعقود طويلة تهيمن علي مجمل المشهد السياسي، حتى باتت تشكل ظواهر مجتمعية سلبية، باعدت بين الوطن وموقعه المستحق بين الأمم المتقدمة. ولا شك أن اقتصار السباق الرئاسي علي أبناء الثورة المصرية، وإن اختلفت المواقع والأدوار، أمر يزيد من مسئولية كل مرشح في الحفاظ علي المبادئ النبيلة التي نادت بها الثورة؛ فلا يصح أن تبلغ الثورة أهدافها عبر ممارسات تتنافي وسيادة القانون، أو تفتقد للشفافية الواجبة. في هذا السياق تتأكد مسئولية كل مرشح عن جميع تفاصيل حملته، وما قد يصدر من فريقه المعاون من تجاوزات تسىء إلي الثورة المصرية، في لحظات فارقة، يرصدها المجتمع الدولي بحرص شديد، بغية تقييم حرص القائمين علي إدارة شئون الدولة علي سلامة الأوضاع الديمقراطية. من جهة أخرى، لا ينبغي أن تنزلق البرامج الانتخابية إلي مبالغات من شأنها المزايدة علي أوجاع وآلام الشعب، دون النظر إلي عواقب الفشل في تحقيق الطموحات المتزايدة، التي تعقب الثورات الشعبية، متى نجحت في اقتلاع النظام الذي نهضت في مواجهته؛ فليس من شك أن المسئولية الوطنية تفرض علي الجميع عدم الإفراط في الوعود الانتخابية، وقد باتت الأزمات المجتمعية بادية لا تحتمل تأويلاً، والسعي نحو إيجاد الحلول الفعالة للمشكلات الأساسية لا ينبغي أن يمتد إلي آفاق بعيدة لا يمكن اللحاق بها. وفي سبيل تهيئة المناخ المناسب لعملية انتخابية تحظي بالتقدير والمصداقية، وتؤسس لنظام جديد، يعبر بالفعل عن تحول ديمقراطي حقيقي، يظل الرهان قائماً علي مدى ما تبديه أجهزة الدولة من حيادية، تضمن للدولة هيبتها، بعيداً عن تجاوزات صغيرة لطالما أكدت غياب إرادة سياسية في ممارسة ديمقراطية جادة. وإذا كان الإعلام في بؤرة الرقابة، المحلية والدولية، بما له من دور بالغ الأهمية في تشكيل وتوجيه الرأي العام، فإن الإعلام الرسمي للدولة يحظي بالقدر الأكبر من الرصد، باعتباره مرآة صادقة لمدى مصداقية سعي الدولة نحو الأخذ بالمعايير الدولية المتعارف عليها في هذا المجال. ولا يخرج الإعلام الخاص عن المحددات الحاكمة للأداء الإعلامي المصاحب لفعاليات الحملات الانتخابية؛ ذلك أن المسئولية الاجتماعية والمهنية، تستوجب الالتزام بالموضوعية ومواثيق الشرف المهنية المعمول بها. وعلي عاتق قادة الرأي من النخب المجتمعية، تقع مسئولية ضخمة، لا ينبغي التفريط فيها، مفادها أن مساندة ودعم مرشح بعينه لا يتيح الخوض في ثنايا وطيات الحياة الشخصية للمرشح المنافس، والتقليل من وطنيته، والطعن في قدرته علي تمثيل الثورة، فذلك أمر متروك لصناديق الاقتراع، ولا وكيل للشعب في هذا الأمر. وليس في ذلك ما يمنع البعض من محترفي التسلق من اعتلاء كاهل الثورة، وهم منها حقيقة في موقع العداء، ما لم تحقق لهم عودة مستترة، يعاودون من خلالها مناهضة طموحات الشعب في بناء دولة ديمقراطية حديثة، تتخذ من سيادة القانون أساساً لها. وإذا كانت الإرادة الوفدية قد آثرت مساندة ودعم السيسي رئيساً، التحاماً بإرادة الملايين، وتقديراً لدوره المفصلي والبطولي في إنقاذ الوطن من حكم الجماعة الإرهابية، فليس في ذلك ما يقلل من تقدير الوفد لوطنية حمدين صباحي، وجدارته في التعبير عن الثورة، ليظل الحكم للشعب مصدر السلطات.