بالفعل أُغلق السباق الرئاسي علي المشير عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي؛ ومن ثم بات الأمر يمثل مسئولية ضخمة عليهما، بوصفهما ينتميان للثورة، ويقع عليهما عبء الالتزام بمبادئها، والعمل علي تجسيد ما نادت به الثورة من مبادئ وقيم إنسانية نبيلة. ولا يمنع تأييد حزب الوفد للمشير عبد الفتاح السيسي رئيساً، من توجيه المناشدة لهما، علي حد سواء، بإعلاء المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التي تفرضها طبيعة المنافسة الانتخابية، وقد أضحي كل منهما مسئولاً عن كل ما يصدر من فريق حملته الانتخابية. فليس يدفع بنا باتجاه بناء حياة ديمقراطية جديدة، أن تشتعل الحروب الكلامية بين أفراد الحملتين، وهو أمر سيجد من يعمل علي تأجيجه بشكل دائم، ربما بما قد يخرج عن حدود السيطرة، وفي ذلك خطر بالغ علي مصداقية الانتماء لجوهر الثورة المصرية، وطعناً في نجاح الثلاثين من يونيو في تطهير حياتنا السياسية من ممارسات بالية، ليس أعظمها قسوة نهج الإقصاء والتمكين والتشهير، وغير ذلك كثير من المفاهيم التي صاحبت حكم الإخوان، بأصولها الممتدة إلي عهود ما قبل الثورة. فمثل تلك المفاهيم السلبية في العمل السياسي، كانت علي وفاق مع ما يصدر عن الأنظمة الحاكمة السابقة من ممارسات سيئة الذكر، عبرت بها عن عدم تلاقيها مع قيم الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها في الدول المتحضرة؛ ومن ثم ما عادت تصلح للتعبير عن عملية تحول ديمقراطي حقيقي ننشده سبيلاً صوب تجسيد الإرادة الشعبية الحرة الهادفة إلي بناء دولة ديمقراطية حديثة، تتبوأ مصر بموجبها موقعها المناسب في مقدمة المجتمعات المتحضرة. وإذا كانت مسئولية المرشح عن حملته الانتخابية واضحة ومحددة المعالم، ولا يمكن التقليل منها تحت أي دفع كان، فإن مسئولية أجهزة الدولة الرسمية باتت هي الأخرى مرصودة من كل جانب، في الداخل والخارج، حيث تقع عليها مسئولية النهوض بإدارة شئون الدولة بعيداً عن كل ما يشكل تدخلاً في العملية الانتخابية، سواء لصالح أحد المرشحين، أو بما يشوه الممارسة الديمقراطية بصفة عامة، ويعوق حركة الناس في سبيل أداء واجبهم الوطني. وتأتي أجهزة الإعلام الرسمية علي قمة المؤسسات الرسمية المنوط بها التأكيد علي حيادية الدولة المصرية تجاه من تقدم من أبنائها لحمل أمانة المسئولية الوطنية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار صعوبة التوقيت لتفادى أية أخطاء قد تشوه الاستحقاق الرئاسي أمام الرأي العام، في الداخل والخارج. في الوقت الذي يخضع فيه أداء مؤسسات الإعلام الخاصة للتقييم من جانب الرأي العام ذاته، وهو تقييم لا مجاملة فيه، وربما يفوق في عقوباته ما تحتويه مواثيق الشرف المهنية في هذا الشأن. أيضاً علي مؤسسات الدولة أن تكف عن كثير من الممارسات التي فضحت نوايا الأنظمة الحاكمة السابقة، وكشفت ضعف إيمانها بالعمل الديمقراطي، خاصة ما كان يحدث من بعض الوزارات والجهات الرسمية من توفير سياراتها في خدمة الدعاية لمرشح بعينه. ثم علينا جميعاً، مؤسسات حكومية وخاصة، الإقلاع عن ممارسات لا تنتمي لمضمون الثورة المصرية، فتنتهي إلي الأبد إعلانات التأييد التي ينفق القادرون فيها من الأموال ما هو جدير بحل أزمات مجتمعية لفئات محرومة في المجتمع، عانت وتعاني في سبيل تمكنها من العيش في ظل ما يزخر به المجتمع من أمراض اجتماعية، تحتاج من الجميع تكاتفاً لمواجهتها. وما إن تنتهي العملية الانتخابية، يجدر بنا ترشيد عبارات المديح والثناء علي المرشح الفائز، علي نحو يدفع به إلي دائرة القائد الملهم، والزعيم المنتظر للخلاص؛ ذلك أن الأمر جد لم يعد يحتمل ضياع الوقت فيما هو لا طائل من ورائه، وقد حان وقتها وقت العمل الوطني الجاد، والمشترك من كافة أبناء الوطن، من الجانبين، متى أخلص الجميع في سبيل إنجاح ثورتهم المجيدة. ولا يهيئ لنا موقعاً مناسباً بين المجتمعات المتحضرة، أن نهيل الركام فوق المرشح الخاسر، ويخرج من بيننا من يؤكد أن خسارته كانت واجبة، وأنه لم يكن يصلح رئيساً، وغير ذلك من الأقاويل التي تجد منابعها في نهج وفكر الأنظمة التي أسقطتها الثورة. فلتكن ممارساتنا في الاستحقاق الرئاسي، بشير حياة ديمقراطية سليمة، تصعد بطموحات أبناء الثورة المصرية إلي حيز التنفيذ، شريطة أن تظل «التجاوزات» في حدود العمل الفردي غير المؤثر، وعلي أن تصحبها جزاءات علنية رادعة لكل من يشترك فيها أو يدعو لها، وغير ذلك تظل ديمقراطيتنا الوليدة محل شك كبير. «الوفد»