قضايا مصيرية تنتظر الرئيس المقبل، بوصفه أول رئيس يعبر بصدق عن الثورة المصرية المجيدة، بعد أن صححت مسارها في الثلاثين من يونيو، فليس أقل من برنامج يتبني كافة الطموحات الثورية، ويلبي نداء الوطن في بناء دولة ديمقراطية حديثة، يندرج بموجبها الشعب المصري في إطار منظومة الدول المتحضرة، وليس أفضل من الدستور الجديد مرجعاً يعود إليه كل من يتصدى لبرنامج الرئيس المقبل. ووفقاً للمتغيرات الجذرية التي طالت المجتمع المصري، فإن مفهوم «البرنامج الانتخابي»، باعتباره عقداً اجتماعياً بين من يتقدم لشغل المنصب الرفيع من جهة، وبين الشعب المصري من جهة أخرى، ينبغي أن يتأسس وفق قواعد واضحة لا لبس فيها، تخطو الدولة في ظلها نحو تحقيق نهضتها التنموية الشاملة. فلا مبرر علي الإطلاق لمزايدات متبادلة بين المرشحين، وقد خرج أصحاب الحظ الأوفر في السباق الرئاسي، من رحم الثورة المصرية التي طالما أعلت من شأن حقوق الإنسان بشكل عام، وليس أقل من الحق في مشاركة فعلية للمواطن في بناء دولته، بيد أنها مشاركة يلزمها بالأساس مصداقية القيادة، وقدرتها علي جمع شمل الأمة المصرية باتجاه أهدافها المشتركة. من هنا فإن البرامج الانتخابية التي ستطرح في السباق الرئاسي، ينبغي أن تختلف عن سابقتها، فيما يمكن أن تضمه من مشروعات تداعب خيال الجماهير، دون مراعاة تداعيات الإخفاق في تحقيقها، ومحاولات تبرير «الفشل» بأن الرئيس لا يملك «عصا موسي»، بينما كان عليه أن يدرك قبل غيره أن تلك العصا غير متوفرة.! وعلي ذلك فإن التريث في إعداد البرامج الانتخابية ربما يمنح «البعض» فرصة مراجعة النفس لما تملك، ويعينها علي تقدير ما لا يمكنها إنجازه، مهما كان في ذلك من فقدان لبريق مؤقت، سرعان ما يزول تحت وطأة ثقل المسئولية، وفداحة الخسائر التي يمكن أن تُمني بها المسيرة الثورية إذا ما تعثر أحد أبنائها في قيادة الوطن. ولعل المرشح الرئاسي الأجدر بالثقة هو من سيمتلك القدرة علي الحد من إسراف القائمين علي إعداد برنامجه الانتخابي، في توزيع «الهدايا الانتخابية» علي مختلف فئات وطوائف وتيارات الشعب، وغمر الشارع المصري بالأماني غير القابلة للتحقيق، بذات السهولة التي تكتب بها علي أوراق البرنامج الانتخابي. فلقد ولي الزمن الذي يستقر فيه الرئيس علي كرسيه عدة عقود بدعوى استقرار الوطن، ولم يعد ممكناً للرئيس الاكتفاء بإلقاء مسئولية الفشل علي الحكومة، متى غابت عن الناس وعوده التي بموجبها تفوق برنامجه الانتخابي علي منافسيه. من جهة أخرى، فإن الحكمة تقتضي من الرئيس القادم أن يدرك تماماً أن البيئة السياسية الجديدة التي أفرزتها الثورة المصرية، من شأنها إزاحة الكثير من كواليس العمل السياسي؛ ومن ثم فإن الأمور باتت واضحة أمام الجميع، وبالتالي ستغرب عن حياتنا السياسية حكومة تهتدي علي الدوام «بتوجيهات سيادة الرئيس»، وسيزول من الساحة البرلمان المهموم بتقنين كافة الممارسات الفاشلة للنظام الحاكم.! كذلك لا يملك الرئيس المقبل الكثير من الأدوات المساعدة علي تهدئة الشارع إزاء الفشل في إدارة شئون الدولة، فلم تعد إقالة الحكومة بالأمر الهين الذي يسمح للرئيس بامتصاص غضب الشارع، مثلما جرت العادة في نظام مبارك المستبد. أيضاً لن يجد الرئيس المقبل آذاناً تُصغي له وهو يُعدد علي مسامع الشعب، كم «أنفق» علي البنية التحتية، بينما الناس نيام في الطرقات، والبيوت تفتقر لأبسط الخدمات الإنسانية. ولن يتمكن الرئيس المقبل من البقاء في موقعه وهو في كنف تقارير المؤسسات الدولية، وما تشير إليه من معدلات نمو دفترية، لا نصيب فيها للمواطن البسيط. مجمل القول، أن الرئيس المقبل عليه أن يعي تماماً أنه سيحكم شعباً أدرك كيف يحاكم حاكمه، بعد أن تجاوز بثورته حلم «البقاء علي قيد الحياة».! «الوفد»