يتساءلون عن الحملات الرئاسية الانتخابية؛ مدلولها، وأهدافها، والقائمين عليها؛ فمنذ انتقال النظم السياسية من الديمقراطية المباشرة فى آثينا القديمة إلى الديمقراطية النيابية أو البرلمانية فى الدولة القومية الحديثة. ونظرًا للتنافس الشديد بين المرشحين للمجالس المحلية أو القومية أو الرئاسية؛ فقد تم التوصل إلى فكرة الحملات الانتخابية، والتى تستهدف ما يلي؛ محاولة إقناع الرأى العام بأن المرشح صاحب الحملة الانتخابية هو أفضل من يمثل المواطنين ويعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، وأن هناك اتساقًا بين معتقداته والإطار الفكرى الذى ينتمون إليه، وفى هذا الشأن يقدم المرشح نفسه وبرنامجه وحزبه، إن كان منتميًا إلى حزب سياسي، وهو يستخدم فى ذلك كل أساليب الإقناع السياسي، بما فى ذلك محاولة تغيير الاتجاهات السياسية للمواطنين، وذلك بتقديم نفسه وشخصيته بأنه صاحب الكاريزما التى لا تتكرر، أو يقوم المرشح بالتقليل من شأن المرشح المنافس وبرنامجه والدفع بأنه إما يمثل أقلية أو اتجاهًا فكريًا غير عملى وأنه يضر بالمصلحة الخاصة للمواطنين والمصلحة العليا للوطن، وقد يتوجه المرشح بحججه وبرامجه إلى الخارج لكى يقدم تطمينات للدول المنتمية إلى ذات الإقليم أو الدول العظمى والكبرى المسيطرة على النظام الدولي. وأبرز الحملات الانتخابية الرئاسية فى العالم هى التى تدور فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتى تبدأ فى شهر مارس من عام الانتخابات الرئاسية من ولاية نيوهامبشير؛ حيث يتقدم العديد من المرشحين من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى وغيرهما للترشح، ولا يستمر فى السباق إلا أولئك الذين يحصلون على أصوات تعبر عن قبول المواطنين لهم، ويستمر هذا السباق فى الولايات الخمسين، ومدينة واشنطن حتى شهر أغسطس حين يُعقد المؤتمر العام ولكل من الحزبين الرئيسيين مرشح للرئاسة ورفيقه كنائب للرئيس، مؤدى ذلك أن هناك جهودًا مضنية من جانب المرشحين للحصول على تأييد ومساندة الرأى العام لهم؛ حيث يجوبون هم وأعضاء الحملة الانتخابية مختلف الولايات دون كلل أو ملل، وقد حدث فى تاريخ الولاياتالمتحدة أن مرشحين غير معروفين حصلوا على الأغلبية وصاروا رؤساءً مثل بيل كلينتون (من أشهر الرؤساء الأمريكيين)، وباراك أوباما. بيد أن الناخب، وهو يدلى بصوته، ينظر إلى واحد أو أكثر من ثلاثة اعتبارات رئيسية؛ إما شخصية المرشح، والذى إن تمتع بشخصية فذة وجسورة وكاريزمية يمكن أن يلتف حوله الناخبون بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية أو برنامجه الانتخابي، وفى هذه الحالة، يمكن أن يطلق عليه المرشح ذى الشعبية الكاسحة، وإما برنامج المرشح؛ فقد يرى الناخبون بصرف النظر عن الانتماء الحزبى لهذا المرشح أن برنامجه يحقق مصالحه كما أنه يكرس المصلحة القومية للدولة، وفى هذه الحالة يصوتون للبرنامج وليس للمرشح، ومن جانب ثالث؛ فقد يصوت الناخب بناءً على الانتماء الحزبي؛ حيث يدلى بصوته إلى المرشح الذى ينتمى إلى نفس الحزب، وتثبت الدراسات أن هؤلاء الناخبين إما ينتمون إلى الأحزاب ذات الأيديولوچية الجامدة أو أنهم أقل تعليمًا ووعيًا بالحياة السياسية، وبصرف النظر عن معايير الإدلاء بالتصويت؛ فإن المرشح الرئاسي، بعد انتخابه، يصير مرشحًا للأمة ورئيسًا للمواطنين كافة، ويسعى، بالضرورة، إلى تحقيق المصلحة القومية، وعلى رأسها الأمن القومى للدولة. وفى حالتنا؛ فإننا لم نشهد انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية إلا مرة واحدة عام 2012، ولم يتم تحليل الدوافع التى دفعت المصريين إلى التصويت فى المرحلة الأولى بالصورة التى تمت، والتى أودت بمرشحين كان يتصور فى البداية أنهم على رأس قائمة المرشحين، كما أن أحدًا لم يقم بتحليل الدوافع التى أدت بالمصريين للاختيار فى التصويت فى انتخابات الإعادة لكل من شفيق ومرسي، ومع ذلك يمكن القطع بأن تصويت الناخبين المصريين فى المرحلة النهائية لم يرتبط على الإطلاق بشخصية المرشح أو برنامجه أوبانتمائه الحزبي، مما يثير التساؤل اليوم عن دوافع إدلاء المصريين بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبصفة خاصة أن المشير السيسى لا ينتمى إلى حزب سياسي، كما أن حمدين صباحى ينتمى إلى حزب كارتونى وتيار شعبى ليست له جذور قوية، من ثم؛ تبقى الشخصية والبرنامج كمتغيرين يؤثران على الإدلاء بالصوت، على أننا ينبغى أن نضيف إلى معادلة الحملة الرئاسية الانتخابية ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 ضد النظام الثيولوچى السلطوي؛ فمن المعلوم أن فشل هذا النظام فى تحقيق مصالح المواطنين المصريين وتهديده الأمن القومى المصرى وبقاء الدولة المصرية وهوية المصريين قد دفع المصريين إلى الثورة عليه، وما كان يمكن لهم أن يحققوا هدف إسقاطه بعد ثلاثة أيام من الثورة إلا باتخاذ الفريق أول السيسى قراره التاريخى بالوقوف إلى جانب الثورة الشعبية، وهو ما يعتبره البعض تضحية وتعرضًا للخطر كان يمكن أن يحدث إذا لم تنجح الثورة، ومن ثم؛ فإنه كمرشح رئاسى ينتمى إلى فئة المرشحين ذوى الشعبية الكاسحة، والذى لا يمكن تقديرها الآن بنسب مئوية محددة، ومن جانب آخر؛ فإنه وبالرغم من برنامجه الانتخابي، فإن رؤيته فى بناء مصر المعاصرة لا تقل تأثيرًا على مستقبل الدولة المصرية وانتقالها من مجتمع تقليدى إلى مجتمع عصري، عن جهود محمد على فى بناء مصر الحديثة مع وضع تغير الظروف فى الاعتبار؛ فمن المؤكد أن هذه الرؤية تتحول إلى استراتيچيات، والتى تتحول بدورها إلى مشروعات ذات مهام وتوقيتات محددة قابلة للتنفيذ، وإن كانت تتطلب من المصريين جميعًا بذل أقصى درجة من الجهد والطاقة من أجل تحقيقها، وهو فى هذا الشأن يختلف عما عداه من المرشحين، ويمكن أن يضاف إلى ذلك أنه حتى فى السياسة الخارجية، وخصوصًا ما يتعلق منها بتنويع توجهاتها الخارجية، وهو ما يرنو إليه المصريون؛ فإنه بالقطع سوف يقودها إلى التنويع مع القوى العظمى والكبرى الحاكمة للتفاعلات السياسية والاستراتيچية فى عالم اليوم بما يضيف إلى القدرات المصرية ويحقق المصلحة القومية لمصر المعاصرة، وسوف يعكس تشكيل فريق الحملة الانتخابية من حيث التنوع والمهنية مدى التزامه برؤية مستقبلية متكاملة تنعكس على الدولة المصرية. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط