ما أعظمها إساءة للديمقراطية، وللنظام الحالي الذي أفرزته الإرادة الشعبية الحرة في الثلاثين من يونيو، إذا ما نجح رموز فساد نظام مبارك المستبد في العودة إلي المشهد السياسي، واقتحام أبواب البرلمان، متسلحاً بالانتخابات كأداة الأصل فيها أنها ديمقراطية، ليؤرخ البرلمان المقبل عندئذ لبدء رحلة العودة إلي ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وبدء إجراءات التنكيل بكافة رموز الثورة المصرية التي أسقطت عروشهم السياسية والاقتصادية. غير أن تصاعد احتمالات عودة نظام مبارك، لم تظهر فجأة، ولم تنشأ في فراغ، بل علينا أن نعترف، كقوى ثورية وطنية مخلصة، أن تقصيراً ما اتسم به العمل الوطني منذ ثورة الثلاثين من يونيو، ربما لم يستفد كثيراً من سلبيات ما بعد ثورة يناير، حتى «نجح» نظام مبارك في البناء عليه عالياً، بوجوه وسواعد عملت بالوكالة عنهم، حتى تصاعدت أحلامهم في العودة، فكشفت الوجوه الكريهة عن نفسها، وباتت سافرة لا يحجبها خجل، ولا يمنعها قانون عن منازلة الثورة. وإذا كان رموز فساد نظام مبارك، قد وجدوا في الانتخابات البرلمانية المقبلة كأداة ديمقراطية، دفعاً يمكن قبوله «نظرياً»، يتم بموجبه تمرير عودتهم إلي المشهد السياسي، قفزاً فوق الإرادة الشعبية الحرة التي عبرت عنها ثورة الخامس والعشرين من يناير، فإن ثورة الثلاثين من يونيو لم تطالب بهم أبداً، إذ لم تكن إلا ثورة تصحيحية، صححت المسار الذي انحرفت إليه ثورة يناير بفعل سقوطها في يد الجماعة الإرهابية؛ ومن ثم لا تحمل ثورة الثلاثين من يونيو شرعية عودة نظام مبارك. والواقع أن محاولات تشويه ثورة يناير، والرغبة في الانحراف بثورة يونيو، والارتداد بها خلفاً إلي ما قبل ثورة يناير، ما هي إلا إشارات واضحة إلي ما بين نظام مبارك والجماعة الإرهابية من قواسم مشتركة؛ فبعد أن تقاسم أبناء مبارك وبديع، احتكار النظام السياسي علي مدى عدة عقود، اغتصب الإخوان ثورة يناير، واستغلوا المكانة السامية للدين في نفس كل مصري، وتحايلوا، واستتروا بالدين حتى حكموا الوطن عاماً، حكماً احتكارياً علي غرار حكم مبارك، واليوم يعيد نظام مبارك التجربة المريرة، فيروجون كذباً أن ثورة يناير هي المسئولة عن حكم الإخوان، والواقع أن ما أفسح المجال أمام الجماعة الإرهابية لتتوغل في ثنايا وطيات المجتمع المصري، إلا ممارسات وصفقات عهد مبارك؛ ومن ثم فادعاء نظام مبارك ملكية ثورة يونيو، لا يقابله إلا زعم الإخوان تصدرهم ثورة يناير. وكما أن الدين الإسلامي السمح برىء من فكر وممارسات وقواعد العمل الإخواني، فإن الديمقراطية ليست علي صلة بنظام مبارك المستبد، وإن تمسح بها الآن، ودفع بالانتخابات أداة ديمقراطية، يريد بها القضاء علي الثورة ومكتسباتها، مثلما اتخذ الإخوان من الدين شعاراً زائفاً لحكم دموي، ينهض علي أنقاض الوطن، نهوض حكم مبارك علي مقدرات وحقوق الشعب، وفي الحالتين كانت الانتخابات أداة ديمقراطية لطالما أساءت لها التجربة المصرية. وكما حجب نظام مبارك الديمقراطية عن الشعب المصري، علي مدى عقود حكمه، متذرعاً بخصوصية المجتمع، فتأخر الوطن معه إلي الصفوف الخلفية للأسرة الدولية، ذهب الإخوان إلي أن مفهوم «الوطن» يعارض جوهر الفكر الإسلامي، وصولاً إلي خلافة يسودونها، يذوب فيها الوطن، وتتبعثر مكتسباته، وعناصر ومقومات قوته الشاملة، وقد تجاهل هؤلاء أن «زعامتهم» لتنظيمهم الإرهابي، إنما استندت إلي كونهم جماعة نشأت في مصر، الرائدة، قلب الأمة العربية، وحامية الإسلام والمسلمين، بحكم التاريخ والجغرافيا، وبمقتضي الحاضر الذي أفرزته الثورة المصرية في يناير ويونيو علي التوالي. وعليه، فمع حاجتنا إلي المعني الضيق لمصطلح «الديمقراطية» حين يطلق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطية، فإن حاجتنا أشد إلي المعني الأوسع لمصطلح «الديمقراطية» في وصفه لثقافة مجتمعية حاكمة، تجسد نظاماً اجتماعياً يتجلي فيه جوهر الديمقراطية، تداولاً سلمياً للسلطة، في ظله تأبي القواعد الديمقراطية قبول كل إساءة لقيمها ومبادئها الإنسانية النبيلة. والحال كذلك، وعلي غير المتداول في المجتمعات الديمقراطية، وفي اتجاه خاطئ، غير الثقافة المجتمعية، يتسع لدينا مفهوم الديمقراطية، ليمر منه أعداء الديمقراطية... مرور الكرام.! «الوفد»