إلى خبرة الوفد، حاكمًا ومعارضًا، لطالما تطلعت الأوضاع على الساحة الداخلية، فما خاب الرجاء فيما يمكن أن يقدمه الوفد، مستنهضًا معه كافة القوى الوطنية المخلصة، الراغبة فى تحمل المسئوليات الوطنية، دون النظر لاعتبارات لا تتبنى الطموحات الشعبية الطامحة إلى حياة أفضل. وغير ذلك لم يكن موقف الوفد بانسحابه من الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى عهد نظام مبارك المستبد، فكان فى ذلك تبشير بقرب سقوط نظام مبارك، وهو ما كان حاضرًا فى أروقة حكم مبارك، فتصاعدت الضغوط على الوفد للعودة وعدم الانسحاب، غير أن انحيازًا لما استشرفه الوفد لم يكن محل مساومة، فانسحب الوفد، وعاش نظام مبارك أيامه الأخيرة قبل أن تدهسه الملايين الثائرة فى الخامس والعشرين من يناير. والأمر ذاته تكرر فى عهد النظام الإخواني، حين رفض الوفد التواصل مع الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسي، بعد أن كان الوفد قد أكد التزامه باحترام شرعية حكم مرسى اعترافًا بما أفرزته الانتخابات الرئاسية وقتئذ، إلا أن الرجل لم يشأ إلا أن يحكم الوطن بالوكالة عن جماعته الإخوانية، مهدرًا شرعية حكمه بممارسات لم يملك الوفد حيالها إلا قطع سُبل التواصل معه، استشرافًا لسقوط حكمه، واستشعارًا وانحيازًا لما يختمر فى قلوب وضمائر المصريين من ثورة ضد نظام انحرف بثورتهم المجيدة، وليس أدل على ذلك من رفض الوفد المشاركة فى «الندوة التليفزيونية» المهزلة التى أقامها الرئيس المعزول فى قصر الرئاسة حول سد النهضة الأثيوبي، وبالفعل لم تتأخر الإرادة الشعبية عن ملاقاة موقف الوفد، فاشتعلت الملايين سخطًا على حكم الرئيس الإخواني، وعزلته فى الثلاثين من يونيو. واليوم، والوفد يجرى استعداداته لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن موقف الوفد فى هذا الشأن لا يحمل إقرارًا بتوافق قانون انتخابات مجلس النواب مع مقتضيات المرحلة، وليس الوفد على قناعة بصحة الكثير من الجوانب المحيطة بالعملية الانتخابية، قدر ما يحرص الوفد على عدم اتخاذ مواقف تصلح لأن يبنى عليها أعداء الوطن، طعنًا فى خارطة المستقبل التى شارك الوفد بجهد وافر فى إعدادها، وتوثيق ما تحمله من دوافع وطنية حقيقية. غير أن تحسبًا بات واجبًا تجاه ما يمكن أن تفرزه الانتخابات البرلمانية المقبلة من تداعيات، تدفع بنا باتجاه العودة إلى ما قبل ثورة يناير، حين نجحت أنظمة متعاقبة فى تفريغ الساحة الداخلية من محتواها، باستثناء الحزب الوطنى المنحل، وتابعه جماعة الإخوان الإرهابية، التى نهضت بدور الشريك الفعلى لنظام مبارك الفاشي. فليس فى مشاركة الوفد فى الانتخابات البرلمانية المقبلة إقرار بسلامة التوجه صوب تحقيق الإرادة الشعبية التى تأسست عليها شرعية الثلاثين من يونية، وليس فى منافسة الوفد لأبناء نظام مبارك وأتباع بديع، ما يؤكد أحقيتهم فى العودة إلى صدارة المشهد السياسي. والواقع أن تحميلًا زائدًا فوق طاقة الناخب، يستند إليه زيفًا كل من يدعى قدرة الناخب على إجراء فرز وطنى سليم، خاصة فى ظل ما نمتلكه من موروث سيئ الذكر فى هذا الشأن، فضلًا عن جملة من العوامل المساعدة على مغالبة جوهر الإرادة الشعبية الحرة، مدعومة بما وفرته البيئة الداخلية من مناخ لا يصب فى رصيد التحول الديمقراطى المنشود، والتى كان قانون انتخابات مجلس النواب أحد إفرازاتها، وليس سببًا فيها. ولعل فى ذلك إشارة واضحة إلى احتياج اللحظات الفارقة من عمر الأوطان إلى قوى وطنية مخلصة، تمتلك من الخبرة والحنكة السياسية، ما يدعم جهودها فى عبور ما يحيط بالوطن من تحديات ومخاطر، دون أن تنجح القوى المعادية للثورة فى المرور عبر مسالك عدة، تتيحها طبيعة العملية السياسية، وتفسح القواعد الديمقراطية مجالات عدة أمامها، وليس كذلك إلا الوفد. «الوفد»