نعم.. الرئيس محمد حسني مبارك مسئول ومدان دستورياً وقانونياً ودينياً عن أعمال القتل والجرح فى ثورة 25 يناير 2011 والتى بدأت مبكراً بإطلاق الرصاص البوليسى وإسقاط أول شهيد فى مدينة السويس ووصل ذلك إلى علم رئيس الجمهورية الذى يحكم فى نظام رئاسى يتمتع فيه بسلطات واسعة دستورياً وقانونياً ودينياً تملى عليه واجب التصدى فوراً للواقعة والظهور في وسائل الإعلام معلناً أوامره الصريحة لأجهزة الشرطة بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين إلا في حالة الضرورة القصوى لمواجهة المقاومة المسلحة من المشاركين في الثورة الشعبية.. ولكنه لم يفعل على خلاف ما يقتضيه الدستور والقانون والدين على النحو التالى: أولاً: دستورياً نصت المادة 64 من دستور 71 على أن (سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة)، ونصت المادة 73 على أن «رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، ويسهر على تأكيد سيادة الشعب وعلى احترام الدستور وسيادة القانون». وطبقاً للمادة 79 من الدستور فقد أدى الرئيس مبارك القسم الدستورى قبل أن يتولى مهام الرئاسة قائلاً: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه». وعندما وصل إلى علم الرئيس سقوط عدد من المشاركين فى ثورة 25 يناير قتلى برصاص البوليس لم يتخذ فوراً الإجراء المفروض اتخاذه من رئيس دولة فى نظام حكم رئاسى بأن يتصدى فوراً للحدث بمقتضى سلطاته التنفيذية الواسعة ويصدر علناً أوامره المشددة للسلطات البوليسية بعدم إطلاق الرصاص على المشاركين فى الثورة السلمية مما يثبت في جانبه قصده اليقينى لقمع الثورة بالسلاح البوليسى حتى ولو سقط المئات أو الآلاف قتلى وجرحى ولا يسقط نظام حكمه الذى طال ثلاثين سنة ارتكب خلالها الكثير من قتل المواطنين إما ضرباً بالرصاص في المليان من جانب البوليس، أو بإصدار أحكام متسرعة بالإعلام من محاكم عسكرية، أو تعذيب المعتقلين حتي الموت كما ثبت بأحكام بعض المحاكم المدنية وتقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية، وكما سجلنا نحن في عدد من المقالات نذكر منها مقالنا بجريدة «الشعب» في 16 يوليو 1993 تحت عنوان «عهد الإعدامات بالجملة» ومقالنا بنفس الجريدة في أول أكتوبر 1995 تحت عنوان (بأمر الرئيس.. إدانة من المحكمة العسكرية) ومقالنا بجريدة «الوفد» يوم 5 أبريل 2006 بعنوان «جريمة عمرها 25 سنة» ومقالنا المنشور بنفس الجريدة في 21 يناير 2007 بعنوان «إرهاب إرهاب» يُضاف إلي ذلك مئات المقالات التي نشرناها خلال الثلاثين سنة من حكم الرئيس مبارك وتثبت عليه دموية النظام في سبيل استمرار حكمه واستعانة بتزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتعديلات الدستورية المقصود بها توريث رئاسة الجمهورية لابنه كما يعرف الجميع. إذن فقد ثبت علم الرئيس بإطلاق الرصاص من جانب البوليس علي المتظاهرين في وقت مبكر من يوم الثورة الشعبية في 25 يناير 2011، وامتنع عمداً عن مباشرة سلطاته الدستورية لحماية الشعب كما ورد في القسم الجمهورى، ولا يفلح في ذلك القول بأنه لم يصدر أوامر للبوليس بإطلاق الرصاص إذ كان المطلوب منه أن يصدر الأوامر بعدم إطلاق الرصاص (ولم يفعل) لغرض فى نفس يعقوب.. وهو تمسكه استمرار حكمه لتوريثه لابنه كما أعد له العدة خلال الثلاثين سنة.. مما يثبت في حقه القصد الجنائى لإطلاق الرصاص علي المتظاهرين الذين سقط منهم ثمانمائة وأربعون شهيداً وستة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر جريحاً بإصابات جسيمة سببت لهم عاهات مستديمة كما ورد في إحصائية المجلس القومى لأسر الشهداء والمصابين المنشورة بجريدة «المصرى اليوم» في الثانى من ديسمبر الحالى. ثانياً: قانونياً وكما ثبتت إدانة الرئيس محمد حسني مبارك دستورياً، فإن إدانته قانونياً ثابتة بإهداره صراحة قانوناً مصرياً صادراً بقرار رئيس الجمهورية محمد أنور السادات رقم 536 لسنة 1981 بالموافقة على العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والمنشور بالجريدة الرسمية المصرية العدد 15 في 15 أبريل 1982 ليكون قانوناً من قوانين البلاد طبقاً لنص المادة 151 من الدستور. إذ تنص المادة السادسة من ذلك القانون على أن (لكل إنسان الحق الطبيعى في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفى). وقد نقض الرئيس مبارك هذا القانون الذي أقسم فى الدستور على احترامه، إذ إنه علم في وقت مبكر من يوم 25 يناير بواقعة ضرب الرصاص في السويس وسقوط قتلى وجرحى ولم يستفزه ذلك لممارسة سلطته التنفيذية الواسعة بالظهور علناً أمام الشعب والبوليس لإعلان رفضه قتل المتظاهرين بالرصاص وإزهاق أرواحهم تعسفياً بدلاً من حماية حياتهم منفردين ومجتمعين وهذا ترجمة لعبارة (ويحمى القانون هذا الحق) في المادة السادسة إذ إن رئيس الجمهورية هو رمز القانون وحامي حماه وخاصة في نظام الحكم الرئاسى الذي أقره دستور 1971، حيث يتمتع الرئيس بسلطات تنفيذية واسعة، فهو الذي يُعين الوزراء ويأمرهم ويعزلهم ومنهم وزير الداخلية ويكون مسئولاً عنهم مسئولية المتبوع عن التابع.. والثابت فى حق الرئيس أنه علم بسقوط قتلى وجرحى في صباح أو ظهر أول يوم لثورة 25 يناير وسكت عن اتخاذ تدابير المنع عن إزهاق الحياة تعسفاً وهو ما أدانه المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة في قراره الصادر في 24 مايو 1989 والذي ينص فى المبدأ الثانى عشر على أنه (يمكن اعتبار الرؤساء وكبار الموظفين وغيرهم من الموظفين العامين مسئولين عن الأفعال التي يرتكبها من يعملون تحت رئاستهم إذا كانت قد أتيحت لهم فرصة معقولة لمنع حدوث هذه الأفعال). وقد كانت هناك فرص عديدة معقولة للرئيس مبارك لمنع وقوع القتل البوليسى بالرصاص في جميع أنحاء مصر حتي يوم إعلان تنحيه عن منصب رئاسة الجمهورية.. ولكنه لم ينتهز تلك الفرص وينقذ حياة حوالى ألف إنسان وتعذيب أضعاف هذا العدد بفقد البصر أو الشلل وغير ذلك من آثار الضرب بالنار يوم 25 يناير والأيام التالية. إن المادة 39 من قانون العقوبات تنص على أن: يُعد فاعلاً للجريمة: أولاً: من يرتكبها وحده أو مع غيره. ثانياً: من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتى عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها. وينطبق نص الفقرة الثانية علي الرئيس مبارك بارتكابه عمداً العمل الأساسى في جرح وقتل المئات من المواطنين وهو سكوته ونكوصه عن إيقاف ضرب الرصاص البوليسى منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير.. ولو كان قد فعل عكس ذلك لما وقع 840 قتيلاً و6312 جريحاً. ثالثاً: دينياً وهذه الفقرة الأخيرة توصلنا لمسئوليته الدينية في قول ربنا سبحانه وتعالى في سورة المائدة (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) ولو أن الرئيس مبارك قد صحا ضميره وأصدر أمره علناً بعدم إطلاق الرصاص البوليسى علي ثوار الشعب يوم 25 يناير والأيام التالية، ألم يكن ذلك كفيلاً بإنقاذ حياة مئات الناس؟ وألم يقل رسولنا عليه الصلاة والسلام (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته). - سيادة المستشار النائب العام.. أرجو وضع هذه المذكرة تحت نظر السادة المستشارين الذين يعدون مذكرات النقض مساهمة منا في إقرار العدل والإنصاف. أستاذ بكلية الحقوق - جامعة المنصورة