استكمالاً للحديث عن الأحكام الغيابية التى تصدرها محكمة الجنايات وموقف المادة «395» من قانون الاجراءات الجنائية قبل تعديلها بالقانون رقم «95 لسنة 2003» والتى كانت تعطى للمحكمة الحق فى ان تشدد العقوبة المقضى بها فى الحكم الغيابىوذلك عند اعادة اجراءات المحاكمةوهو ما تنبه اليه المشرع نظراً لما أفرزه، الواقع العملى من وضع مجاف للمنطق فكان التعديل سنة 2003 والذى حظر على محكمة الجنايات فى هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابى وهو ما أفرز بدوره عند التطبيق العملى مواقف مجافية للعدالة فى الحالات التى يصدر فيها الحكم غيابياً على أحد المتهمين وحضورياً على متهم آخر ويكون الحكم مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون فتطعن النيابة على الحكم الحضورى بالنقض بما يؤذن معه لمحكمة النقض ان تصحح الخطأوتقضى بالعقوبة المتفقة مع صحيح القانون بتشديدها فى نطاق النص القانونى المطبق فى حين أن المتهم الغائب يكون فى مركز افضل اذ لا يجوز لمحكمة الجنايات ان تشدد الحكم الغيابى وهو ما يجافى روح العدالة والمبادئ الدستورية والقانونية التى تلزم بمبدأ المساواة بين المتهمين اذا تساوت المراكز القانونية لهم تفعيلاً لمبدأ التزمت به محكمة النقض وهو المساواة على النحو السالف لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة. وكان الشفيع لتدارك هذا القصور التشريعى ما نصت عليه المادة «33» من القانون رقم «57 لسنة1959» الخاص بحالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض والذى كان يعطى للنيابة العامة الحق فى الطعن بالنقض فى الحكم الصادر من محكمة الجنايات فى غيبة المتهم بجناية. غير ان المشرع لم ينتبه الى هذه المواءمة المتطلبة والتى تقتضيها حسن سير العدالة بين نص المادة «395» من قانون الاجراءات بعد تعديلها على النحو الآنف بالقانون رقم «95 لسنة 2003» وبين نص المادة «33» من قانون حالات واجراءات الطعن بالنقض سالف الذكر واذا بالمشرع لا يفطن الى ما سلف ويصدر القانون رقم «74 لسنة 2007» والذىألغى فيه المادة «33» سالفة الذكر ومن ثم بات الحكم الذى يصدر من محكمة الجنايات فى غيبة المتهم بجناية ومشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون بقضاء المحكمة بعقوبة أقل من الحد الأدنى الذى لا يجوز للمحكمة أن تنزل عنه قانوناً يتحصن هذا الحكم رغم ما شابه من عوار على النحو السالف بالنسبة للمتهم الغائب ولا تملك محكمة الجنايات تشديد هذا الحكم فى حين ان المتهم الحاضر والذى التزم بضوابط المحاكمة فإن النيابة التى سلب القانون حقها فى الطعن على الحكم الغيابى لتصحيح هذا الخطأ القانونى قد أعطى هذا الحق بل أوجب على النيابة ان تطعن بالنقض على هذا الحكم ومحكمة النقض فى هذه الحالة تعمل القانون اعمالاً صحيحاً على الواقعة فتشدد العقوبة الى حدها القانوني وإزاء هذا المنطق الشاذ والمجافى لأبسط مبادئ العدالة والذى مازال يفرز كل يوم من النماذج الصادمة للعدالة وذلك فى الحالات التى يجمع فيها الحكم بين أحكام غيابية على بعض المتهمين وحضورياً بالنسبة للبعض الآخر مما يستوجب معه من المشرع الإسراع فى استصدار نصوص قانونية تتلافى هذا العيب القانونى وتحق المساواة والعدالة بين المتهمين الذين تتساوى مراكزهم القانونية. وسنعرض فى الحديث القادم بإذن الله الى ما نراه من تصور لتلافى كل ما شاب تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالأحكام الغيابية. سكرتير عام حزب الوفد