لعل نظرة موضوعية، يعز إدراكها، نحن أحوج إليها فى إطار سعينا إلى «استيعاب» كثير من الأحداث الأخيرة، باعتبارها قضايا رأى عام، على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فى وقت لم يعد ممكنًا لمفهوم «الدولة» أن يحيا منعزلًا عن سياقه الطبيعى العام. فسيرًا خلف أسبابها تمضى النتائج؛ ومن ثم لا ينبغى تحميل الأمور، على أهميتها، أكثر مما ينبغى وتحتمل من تبعات سعيًا وراء التخفف من أعباء مواجهة أعداء الثورة؛ فقد كذب وجهل كل من ادعى أن الثورة قد بلغت منتهاها، وحققت أغراضها، وهو تضليل كان مقصودًا بالفعل، حتى أحدث تراخيًا حقيقيًا فى الصف الثوري، ما سمح لبعض أعداء الثورة فى الانخراط فى فعالياتها، بل وتصدر بعض مشاهدها. فليس فى فشل دعوة الجبهة السلفية إلى التظاهر، وقد ناصرتهم فيها الجماعة الإرهابية، ما يفيد القضاء على جهود الجماعة الإرهابية فى سعيها إلى إسقاط الدولة، على نحو يدفع بنا إلى استعادة فترات لطالما تراخت وتمهلت فيها الجهود على محاور شتى من العمل الوطنى خلال المرحلة الانتقالية. كذلك ليس فى حكم البراءة لمبارك وفريقه، ما يمكن أن يفيد الجماعة الإرهابية فى سعيها نحو «تسلق» الأحداث، على نحو ما جرى إزاء ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهو ذات النهج الذى يتبناه الآن نظام مبارك فى «تسلقه» لثورة الثلاثين من يونية، وهى التى جاءت استنادًا إلى قيم ومبادئ ثورة يناير التى أطاحت بنظام مبارك!، فليس أتباع مبارك وبديع إلا عملة واحدة رديئة، لا تحمل وجهًا أفضل من الآخر. وليس فى حكم «البراءة» لمبارك وفريق من مكونات نظامه الفاسد، ما يبرر شيوع اليأس من بلوغ ثورتنا أهدافها، وترسيخ مبادئها الإنسانية النبيلة، فليس إلا الثورة المصرية هى التى احتجزت مبارك وفريقه فى قفص الاتهام على مدى سنوات، وهى كذلك قادرة على مواصلة المشوار الصعب، وتجاوز مختلف الموانع الناشئة عن «تداخل» نظام مبارك مع القوى الثورية فى صياغة حركة المجتمع فى المرحلة الدقيقة الراهنة. فبعيدًا عن أن حكم « البراءة» ليس «باتًا»، فى انتظار الكلمة الفصل من محكمة النقض حال الطعن على الحكم، وهو أمر متوقع؛ فإن الأمر فى حاجة إلى «رؤية سياسية»، هى أحق بالدراسة والتبنى من جانب مختلف القوى الثورية. فلا شك أن التداعيات السياسية «لحكم البراءة» الأخير، تحمل فى طياتها الكثير من المعطيات الجديدة، التى ينبغى الدفع بها سدًا قويًا يحول دون مواصلة أتباع نظام مبارك تشويه ثورة يونية؛ فليس إلا الانحياز للثورة وأبنائها، يزيل ما تراكم من مخاوف جراء تصاعد أسهم نظام مبارك الفاسد على حساب قوى الثورة. والواقع أن الأمر بات على صلة وثيقة بحقيقة توجهات الدولة الجديدة، وهى ما زالت فى طور استكمال مفردات مكوناتها الدستورية، فى انتظار تشكيل البرلمان المقبل؛ فليس إلا تنقية النظام السياسى الجديد من مفردات وفكر ونهج نظام مبارك المستبد، يمكن أن يؤكد بقاء ثورة يناير مرجعية أولى، أنتجت ثورة يونية، وما استندت إليه من إرادة شعبية حرة؛ تجسدت فى اختيار الرئيس السيسى أمينًا على المكتسبات الثورية. وبالنظر إلى أن «الصفة القانونية» هى السائدة قطعًا لحكم البراءة على مبارك وفريقه، ما يستوجب احترامه على نحو يستند إلى مبادئ وثوابت حزب الوفد، إلا أن الأمر لا يخلو من حكم «بالإدانة» يجدر بنا الإقرار به «سمة سياسية» لكثير من خطوات العمل الوطني، ما يفيد حتمية إجراء مراجعات جادة تلتمس فيها الدولة الجديدة سبيلًا إلى الالتحام بالإرادة الشعبية الحرة التى أنتجتها. وتركًا لتقدير مدى مسئولية مبارك خلال أحداث ثورة يناير، أمانة تاريخية فى عنق القضاء المصري، فإن مراجعات حقيقية وجادة للخطوة السياسية الوطنية الثورية، لا ينبغى فى ظلها السماح لمبارك ونظامه بالحصول على «حكم سياسي» بالبراءة عن جرائمهم على مدى عدة عقود. «الوفد»