بالقطع يملأ الفساد كل فراغ ينشأ في الصف الوطني حامل أمانة الثورة المصرية المُلهمة التي نهضت تجابه أشكالاً عدة من الفساد السياسي وقد ترك بصماته علي مختلف أوجه الحياة المصرية؛ ومن ثم لا تعد إتاحة الفرصة أمام عودة نظام مبارك شكلاً من أشكال الديمقراطية، ولا هي مؤشر علي صدق الاتجاه نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة، قدر ما هي خيانة لمبادئ وأهداف الثورة. من هنا كان تحالف الوفد بغرض سد فجوات الصف الوطني في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي فجوات نشأت لعوامل مختلفة، وإن ظلت النتيجة المنتظرة منها واحدة، وهي السماح بعودة النظام الفاسد الذي نهضت الثورة لتزيله من طريق الوطن وقد ثار يجتهد نحو حياة أفضل. وعليه.. فكل المحاولات الساعية إلي النيل من تحالف الوفد، علي اختلاف منابعها، تضيف الكثير إلي قدرات نظام مبارك علي شق الصف الوطني، وإن كانت تلك المحاولات لا تستند إلي دوافع واحدة، فإذا كانت الرغبة في «العودة» سبباً أصيلاً لدى بقايا نظام مبارك، فإن قلة الخبرة السياسية، والرغبة في تجاوز حقائق التاريخ، تشكل دوافع رئيسية خرجت ببعض أبناء الثورة بعيداً عن الصف الوطني، وما يفرضه من التزامات وثوابت ثورية لا ينبغي التفريط فيها تحت وطأة «فتنة» المال السياسي. من جهة أخرى، فإن مبررات جادة ومنطقية تغيب عن «فلسفة العودة» التي يروج لها بقايا نظام مبارك؛ فليس الثلاثون من يونيو إلا الامتداد الطبيعي لثورة الخامس والعشرين من يناير التي أسقطت نظام مبارك، وليس ثورة ضد الثورة التي أسقطتهم. ووصول الجماعة الإرهابية إلي الحكم في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، أمر لا ينبغي تسطيحه إلي حد يشين الثورة، علي نحو يتجاهل دلالته كنتيجة حتمية لممارسات نظام مبارك علي مدى عقود طويلة، انتهج فيها تشويه المعارضة الوطنية، وتحجيم أدوارها المجتمعية، بقدر ما حرص علي دعم وجود الجماعة الإرهابية بما يكفي لاستخدامها «فزاعة» في الداخل والخارج علي السواء؛ ومن ثم فحكم جماعة الإخوان كان هو البديل الذي بشرنا بها نظام مبارك، فكانت للثورة خيارات أخرى، غير مبارك وبديع، عبرت عنها الملايين في الثلاثين من يونيو. كذلك فإن وجود الإخوان في ثورة الخامس والعشرين من يناير، لا يقابله إلا وجود نظام مبارك في الثلاثين من يونيو، فلا أتباع مبارك ولا أنصار بديع علي صلة حقيقية بثورة شعبية اعتلت حناجر الجماهير فيها مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية. ومن هنا كانت المعاناة واحدة في ظل حكم مبارك وبديع، فعلي ما بينهما من اختلافات شكلية، إلا أن النهج الفكري واحد، فاحتكار السلطة ملمح رئيسي واضح، وإهدار مقدرات الوطن عامل مشترك، وتشويه «الآخر» سمة مميزة جامعة بينهما، وليس ترسيخ الفساد علي مدى ثلاثين عاما بأقل من خيانة الوطن علي الطريقة الإخوانية. والحال كذلك ليس لنا أن نستبق أحداثاً لا بديل عنها قبل «إتاحة الفرصة» لبقايا نظام مبارك للعودة إلي المشهد السياسي؛ فليس قبل ترسيخ نظام سياسي ديمقراطي، يشكل ثقافة مجتمعية حاكمة، بموجبها يمكن الوثوق في فعالية معايير موضوعية تشكل إطاراً لتجربتنا الديمقراطية، تستند إلي مبادئ العمل الديمقراطي المتعارف عليها في المجتمعات التي سبقتنا إلي بناء دولة ديمقراطية حديثة. فإذا ما بلغنا تلك المرحلة، ورسخت دولتنا الديمقراطية الحديثة، جاز لنا الوثوق في قدرة ديمقراطيتنا الوليدة علي إجراء الفرز الوطني الواجب، فليس قبل الإيمان بمبادئ ثورة يناير المجيدة، يمكن لعودة الناجين من سفينة مبارك الغارقة أن تجد لها فلسفة منطقية تتبني آلام الشعب وآماله في حياة كريمة حرة. «الوفد»