نصون ولا نخون ديمقراطيتنا الوليدة، إن نحن أمعنا النظر بموضوعية في تشابكات عدة تشغل الساحة الداخلية، لا يمنعنا في ذلك خجل من رصد تقصير هنا أو هناك، ولا يفت في عضدنا «نجاحات» صغيرة، يأبي البعض إلا أن يُغلب بها مصالحه الذاتية فوق كل الاعتبارات الوطنية. ولنا وليس علينا، إن نحن أكدنا ضرورة إجراء مراجعات كثيرة، تنال من محاور عدة من العمل الوطني، لا يحجزنا عن ذلك تردد، ولا تفصلنا كذلك مأثورات لطالما ارتبطت بعهود لم نكن فيها علي صلة وثيقة بمقتضيات العمل الديمقراطي، وما يفرضه من وجود معايير موضوعية حاكمة؛ ومن ثم بات الأمر لا يحتمل الاستمرار في هذا النهج العقيم. ولنجد مرجعيتنا في مبادئ وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وامتدادها التصحيحي في الثلاثين من يونيو، وهو الأمر الذي وجد صداه في الدستور الجديد، باعتباره الإطار الحاكم لحركة المجتمع باتجاه طموحاته المشروعة. لا ينفي إذن وحدة الصف الثوري كل تنوع في الرؤى من شأنه الدفع باتجاه كشف سلبيات عدة، دون الحاجة إلي اللجوء إلي سابق الأدبيات الموروثة الناخرة بالاتهامات بالعمالة، والخيانة، والنفعية، وما شابه من تهم سابقة الإعداد لطالما عاني الوطن جراء كونها قوام خطاب النظام الحاكم في مواجهة كل معارض. فدعوة إلي تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، دعماً للأحزاب السياسية، لا تحمل بالضرورة منافع ذاتية للأحزاب، قدر ما تشير إلي كثير من الدروس التاريخية، لا ينبغي إهمالها ونحن إزاء بناء دولة ديمقراطية حديثة، ليس لها إلا أن تبدأ من حيث وصل الآخر، لا ينفي ذلك اعتبارات الخصوصية، وإنما يؤكد حرصاً واجباً علي تحقيق خطوات حقيقية باتجاه تحول ديمقراطي جاد. وعليه ... فبرلمان لا يحقق، علي نحو فعال، تعددية حزبية مناسبة، يمكن التعويل عليها لتحقيق التداول السلمي للسلطة، هو برلمان بالقطع لا يرتكز علي ما جاء في الدستور من قيم ومبادئ؛ ومن ثم فإن جهوداً استثنائية ينبغي القيام بها لمواجهة تداعيات الموقف الراهن، فكان تحالف الوفد، بغرض سد ثغرات الصف الثوري أمام تسرب أعداء الثورة إلي المشهد السياسي. والواقع أن الأمر يتجاوز حدود الرغبة الحزبية المشروعة في مقاعد البرلمان، وصولاً إلي حتمية اتساق الخطوة الثورية، أملاً في بلوغ أهدافها؛ فليس يتبني مطالب الثورة بقايا الأنظمة التي أسقطتها الثورة!، وليس يدافع عن المكتسبات الثورية من كال الاتهامات لثورة يناير المجيدة، لكونها «مؤامرة خارجية»!، أو عدها من أعمال «البلطجة»!، وليس يعمل علي ترسيخ ما جاء في دستورنا من قيم تدعم مدنية الدولة، من أسقطه الامتداد الطبيعي للثورة في الثلاثين من يونيو؛ ومن ثم فدولتنا الديمقراطية الحديثة لا يصح بناؤها بذات أنقاض الدولة الفاشية التي ينتمي إليها مبارك وبديع علي السواء. والحال كذلك، فأي «ظهير فكري» يمكن أن يشكله البرلمان المقبل للرئيس السيسي، إذا ما احتل مقاعده من ينتمون إلي الأنظمة التي أسقطتها الثورة، في يناير ويونيو علي السواء، وقد جاء الرجل إلي موقعه تدفعه إرادة شعبية جارفة، أعلنت إصرارها علي إحداث تغيرات جذرية يتفادى بها الوطن أخطاء الماضي، ويستشرف معها آفاق مستقبل أفضل للأجيال القادمة. وإذا كانت ديمقراطيتنا «وليدة»، وهي بالفعل كذلك، فلنا أن نحميها من ذاتها أحياناً؛ فليس من الديمقراطية في شيء أن نتيح فرصاً متساوية بين أبناء الثورة وأعدائها، ويصطدم بكل منطق سياسي أن يبقي لبقايا أتباع مبارك وبديع الحق في تصحيح أخطائهم بأنفسهم!، فيراجعوا القوانين التي سنوها لتقنن فساداً، وتشرع تمكيناً لفصيل بعينه، ويحاسبوا من أشعل الثورة ضدهم.! بالقطع مُلهمة هي ثورتنا التي أدهشت العالم في الخامس والعشرين من يناير، وامتدادها التصحيحي في يونيو، بسلميتها وقيمها الإنسانية النبيلة، وقد أخرجها شعب رشحته مراكز الفكر العالمية لثورة جياع، فإذا به ينتج ثورة كرامة وعزة؛ ومن ثم مشروع وصحيح، الرهان علي عدم نفاد رصيد الشعب من الدهشة، يقدمه للعالم «بثورة انتخابية» يعيد بها تصحيح مسار الركب الثوري، ويعيد الدرس علي مسامع «نخبته» السياسية!. «الوفد»