تعديل جوهري، بات مُلحاً، ينبغي أن ينال من جملة من المفاهيم التي رسخت لمختلف الأنظمة غير الديمقراطية التي توالت علي حكم الوطن، نبتغي به توفيق أوضاعنا مع منظومة القيم الحاكمة لحركة المجتمعات المتقدمة داخل الأسرة الدولية صوب تحقيق حياة أفضل لشعوبها. دون ذلك لا يمكننا التأكيد أن دفعاً حقيقياً يترك صداه بالفعل علي الثقافة المجتمعية، معبراً بذلك عن بلوغ الثورة حداً لا يمكن التراجع عنه داخل المزاج الوطني العام؛ وليس أقل من ذلك نؤكد به صدق السعي نحو دولة ديمقراطية حديثة، تتخذ من سيادة القانون مرتكزاً رئيساً. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلي أن تحالف الوفد يتجاوز، في مفهومه، حدود المنافسة علي مقاعد البرلمان المقبل، وصولاً إلي أغراض وطنية خالصة، تجسد قيماً نبيلة، لطالما دفعت إليها مبادئ وثوابت الوفد عبر تاريخه الطويل، حاكماً ومعارضاً. فقيم جديدة، جديرة بالانتماء إلي الثورة المصرية المجيدة، من شأنها الإشارة بوضوح إلي أن «التحالفات» لا تمنع «التعددية» التي هي جوهر العملية الديمقراطية، مثلما هي تعبير عن قواسم مشتركة لأعضائها تمثل أساساً وطنياً لا يمكن تجاوزه، أو التغاضي عنه، تحت وطأة ما تفرزه المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات الشعبية من استقطاب ومزايدات سياسية شائعة الانتشار في عمليات التحول الديمقراطي. وعليه فإن تحالف الوفد لا يعني اختفاء، أو إخفاء، تنوع وتعدد الرؤى السياسية لمختلف أطراف العملية السياسية، فذلك أمر منوط به إثراء التجربة الديمقراطية، والتأكيد أن الخطي الوطنية علي الدرب الصحيح تسير، لا تعوقها تباينات تأسست وفق أيديولوجيات واضحة؛ ومن ثم لا تفصلها أهواء ذاتية عن مسئولياتها الوطنية في اللحظة التاريخية الراهنة. غير أن جملة من الأهداف ينبغي أن تظل حاضرة بقوة ضمن أولويات العمل السياسي، تحوطها محددات حاكمة جديرة بأن تعبر عن الطموحات الثورية التي اعتلت حناجر الملايين تصوغ مبادئ وأهداف ثورتها علي مشهد ومسمع من العالم، وترسم طريق العمل الوطني أمام القوى السياسية الوطنية المخلصة، وهي بذلك تمثل أولوية ثابتة لتحالف الوفد. فليس في السماح لأعداء الثورة بالعودة إلي المشهد السياسي، ما يؤكد ديمقراطيتنا الوليدة، قدر ما يجسد عجز القوى الوطنية المخلصة عن تجاوز كل شهوة سياسية تتيح لأتباع مبارك وبديع، اقتناص مواقع غير مستحقة داخل المشهد السياسي. فليس قبل مراجعات جادة وواضحة، بموجبها تعتدل الخطوة الوطنية لمن كانوا وما زالوا ينتمون إلي الأنظمة التي أسقطتها الثورة المصرية، في الخامس والعشرين من يناير، وفي الثلاثين من يونية، يؤكدون بها صدق انتمائهم للوطن؛ ومن ثم تبنيهم مبادئ وأهداف الثورة. ويخطئ من يظن أن الأمر علي نحو من اليسر يسمح بذلك قبل أن ترسخ الثورة كثقافة مجتمعية، وشعور وطني جمعي؛ فذلك أمر مرهون بتمكين الثورة من بناء نظام سياسي جديد، بشقيه الحاكم والمعارض علي السواء، ما ينتج بالقطع ممارسات ديمقراطية حقيقية، ترسخ يوماً بعد يوم، إلي أن تتسع لتشمل كل عائد إلي سواء السبيل الوطني. «الوفد»