لا تغيب ثقافة الاختلاف عن المجتمعات الديمقراطية المتحضرة؛ بوصفها أحد الملامح الرئيسة المهيمنة علي المشهد السياسي، فضلاً عن كونها المسئولة عن إفراز كل إبداع سياسي، ذلك أن العملية الديمقراطية لا يمكن حصرها في إطار مجموعة من الرؤى التوافقية، وإن ظلت القيم الحاكمة لحركة الممارسة الديمقراطية بعيداً عن دائرة الجدل باعتبارها المبادئ الأساسية التي لا ينبغي أن تطالها المزايدات السياسية. وبعد عقود من غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية، فإن الأحزاب والقوى السياسية، بوصفها مفردات مجتمعية حاملة لكافة ظواهر المجتمع؛ تعاني بشكل أو بآخر، وبدرجات متفاوتة، من افتقاد ثقافة الاختلاف علي مستوى العمل الداخلي، فضلاً عن تداعيات ذلك علي الخطاب السياسي الذي تتناول به مجريات الأمور علي الساحة السياسية، داخلياً وخارجياً علي السواء. في هذا السياق ينبغي الإشارة إلي أن غياب ثقافة الاختلاف، من شأنه الدفع بنا باتجاه خوض مجموعة من المعارك الصفرية التي لا محل فيها لرأي مخالف، وهو أمر لا ينطلق من قاعدة ديمقراطية سليمة، يمكن من خلالها خوض عملية التحول الديمقراطي علي نحو يضمن نجاحها في إنجاز أغراضها، وصولاً إلي ترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي. فغياب ثقافة الاختلاف تدفع بجملة من المفاهيم السلبية إلي صدارة الخطاب السياسي، ليس أقلها تبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة، بين رفقاء طريق طالما جمعت بينهم مواقف وطنية مشهودة، لا يمكن إنكار دورها في اختمار ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، بل وفي تأجيج مشاعرها لتتمكن من تصحيح مسارها في الثلاثين من يونيه. ولعل الوفد، وقد تأسس وفق رؤية شاملة لكافة مفردات الأمة المصرية، لجدير به أن يحذر من تداعيات غياب ثقافة الاختلاف عن المشهد السياسي، خاصة ونحن علي أعتاب استحقاقات وطنية من شأنها قياس قدرة الشعب علي مواصلة السير قدماً علي طريق التحول الديمقراطي. ففي سبيل بناء نظام سياسي جديد، يتخذ من معايير الحكم الرشيد منهجاً ومرتكزاً له، تجدر الإشارة إلي أن «المعارضة» جزء أصيل من هذا النظام، لا ينبغي علي الإطلاق أن تظل حبيسة أطر ضيقة من مفاهيم وممارسات لطالما عانت في ظلها المعارضة الوطنية الشريفة؛ ومن ثم لا تعبر «المعارضة الجديدة» عن الثورة المصرية، ومبادئها السامية، إن هي التزمت ذات النهج، من المصالح الذاتية والمزايدات السياسية، الذي تأسست عليه قوى المعارضة الوهمية التي رعتها أنظمة حاكمة فاسدة نهضت الثورة لتزيلها من أمام الطموحات المشروعة للشعب في حياة حرة كريمة. كما لا يعبر «النظام الحاكم الجديد» بصدق عن مبادئ الثورة إن احتجز الحقيقة والوطنية داخل أروقته، مُلقياً بالعمالة والخيانة إلي خارج أسواره. فلا شك أن الاستحقاقات الوطنية المقبلة من شأنها تشكيل نظام حاكم، وآخر معارض، فيما يشكل مجمل النظام السياسي المنوط به إنجاز العمل الوطني علي نحو يعبر بصدق عن الثورة المصرية؛ وبالتالي فإن محاولة جناح منهما تشويه الآخر دون سند من معيار وطني حقيقي، هو أمر يسحب ولا يضيف إلي رصيد ثورتنا، ويرتد بنا بالضرورة إلي مرحلة شكلت تراكمات اختمرت في ظلها ثورتنا المجيدة. «الوفد»