لا تتوان إسرائيلي للحظة واحدة من أجل مساعيها لتصدع أركان الدول العربية وتفتيتها ضمن مخططاتها وأحلامها الواسعة في المنطقة، التي لا تقف عند حد احتلال أرض فلسطين التاريخية وإقامة وطن قومي لليهودي عنوةً في أرض كان يقطنها الفلسطينيون وحدهم بل تمتد أطماعها لسائر بلدان المنطقة والوطن العربي. وفاجأت إسرائيل الجميع بإعلانها الاعتراف بإقليم أرض الصومال، الواقع شمال غرب جمهورية الصومال الفيدرالية، كدولة مستقلة بعد أكثر من 34 عامًا ظل أحلام الانفصاليين في أرض الصومال بعيدة كل البعد عن نيل أي اعتراف دوليٍ. خطوة إسرائيل لاقت موجة رفض عربية وإسلامية واسعة، وأعلنت مصر و20 دولة عربية وإسلامية، في بيانٍ مشتركٍ، الرفض التام لاعتراف إسرائيل باستقلال إقليم أرض الصومال، وأكدوا رفض أي إجراءات من شأنها الإخلال بوحدة الصومال، وسلامته الإقليمية، وسيادته على كامل أراضيه. ولكن بات السؤال الحاضر الآن ما هي أهداف تل أبيب من خطوة كهذه بالاعتراف باستقلال إقليم صومالي في ظل تفرد إسرائيل بتلك الخطوة؟ اقرأ أيضًا: قصة «أرض الصومال» وحلم الانفصال بعد إعلان إسرائيل اعترافها بالإقليم ك«دولة مستقلة» هدف التهجير من غزة وفي غضون ذلك، يقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والخبير في الشؤون الإسرائيلية، "حسب متابعتي للإعلام العبري نقيس هذا الموضوع من زاويتين: الزاوية الأولى أن الإسرائيليين يحاولون أن يكون لهم جيوب في عمق أفريقيا، خاصةً بعد موجة المقاطعات الكبيرة للاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يحاولون قدر المستطاع أن يكون لهم جيوب في المنطقة كي يهددوا الأمن القومي ليس للعرب وحدهم بل لأفريقيا بشكل كامل". ويضيف الرقب، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، "الأمر الآخر أنه خلال الفترة الماضية أُثيرت فكرة تهجير سكان قطاع غزة إلى أرض الصومال وأن يصبح الإقليم المكان الأكثر استقبالًا للفلسطينيين من غزة، وخلال الفترة الماضية كان هناك محاولات للتهجير الخادع عبر مؤسسات أجنبية يديرها إسرائيليون بحجة نقل الفلسطينيين إلى أوروبا ثم يُفاجئوا بأنهم أصبحوا في مناطق في أفريقيا". ويتابع قائلًا: "الإسرائيليون وجدوا ضالتهم بالاعتراف بجمهورية أرض الصومال من أجل تهجير الفلسطينيين من غزة إلى هناك، وأعتقد أنه يوجد اتفاق ضمني بين إسرائيل وأرض الصومال بأن يقبل الإقليم عملية التهجير واستقبال الفلسطينيين في مراحل التهجير مستقبلًا". 5 أهداف إستراتيجية ومن جهته، يتحدث الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، عن الدوافع الحقيقية وراء الاعتراف الإسرائيلي المفاجئ بانفصال أرض الصومال، مؤكدًا أن القرار الإسرائيلي ليس خطوة دبلوماسية عادية بل مخطط استراتيجي متعدد الأبعاد يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم الأطماع التوسعية الإسرائيلية. وحدد الدكتور مهران، خلال تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، خمسة أهداف إستراتيجية رئيسية تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال هذا الاعتراف، قائلاً: "الهدف الأول والأخطر هو تنفيذ صفقة التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، حيث كشفت القناة ال14 الإسرائيلية أن الاعتراف بصوماليلاند (أرض الصومال) مشروط بقبولها استيعاب سكان غزة المهجرين، وهو ما يعني تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وتفريغ غزة من أهلها لصالح المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية". ويضيف مران أن الهدف الثاني هو الحصول على موطئ قدم إستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي يمكن إسرائيل من إقامة قواعد عسكرية وأمنية على بعد مئات الكيلومترات فقط من الحدود المصرية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري ويمكنها من مراقبة وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن". أما الهدف الثالث، فقد أوضح الدكتور مهران أنه السيطرة على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث يمر عبره نحو 30% من حركة التجارة البحرية العالمية، مشيرًا إلى أن وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال يعني قدرة تل أبيب على التحكم في هذا الممر الحيوي وتهديد الأمن المائي والاقتصادي لمصر ودول المنطقة. وحول الهدف الرابع من الخطوة، يقول مهران "إن إسرائيل تسعى لاستكمال حلقات تطويق مصر إستراتيجيًا، فبعد التحالف مع إثيوبيا لخنق مصر مائيًا من خلال سد النهضة، تأتي السيطرة على صوماليلاند لإحكام الطوق من الجنوب الشرقي، مما يضع مصر في وضع إستراتيجي حرج بين فكي كماشة من الجنوب". ويشير مهران إلى أن الهدف الخامس من خطوة إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال هو تفتيت الدول الأفريقية والعربية وخلق كيانات صغيرة ضعيفة سهلة السيطرة عليها، حيث سبق أن نجحت إسرائيل في تقسيم السودان عام 2011، وتسعى الآن لتكرار النموذج في الصومال ثم دول أخرى، مما يضمن بقاء المنطقة في حالة ضعف وتفكك دائمين. كيفية التصدي لاعتراف إسرائيل وحول كيفية التصدي لهذا المخطط وفق القانون الدولي، قدم الدكتور مهران خارطة طريق قانونية شاملة تتضمن عدة محاور رئيسية قائلًا، "يجب الطعن فورًا أمام مجلس الأمن الدولي، حيث يجب على الدول العربية والأفريقية تقديم مشروع قرار يدين الاعتراف الإسرائيلي باعتباره انتهاكًا صارخًا للمادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأممالمتحدة التي تحظر المساس بالسلامة الإقليمية للدول، مع المطالبة بإلغائه فورًا". كما أضاف مهران أنه من الضروري اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يؤكد وحدة الصومال ويدين أي اعتراف بكيانات انفصالية، مشيرًا إلى أن قرارات الجمعية العامة وإن لم تكن ملزمة قانوناً إلا أنها تحمل وزنًا سياسيًا وأدبيًا كبيرًا في المجتمع الدولي.