بعد دقائق من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اعتراف تل أبيب بأرض الصومال " صوماليلاند" دولة مستقلة، عادت التوترات الكامنة في القرن الأفريقي إلى الواجهة، في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم حساسية وتشابكًا من حيث المصالح الجيوسياسية والصراعات السيادية. ويعد اعتراف إسرائيل لا يمكن فصله عن التحولات العميقة التي شهدتها العلاقة بين إثيوبيا وكل من الصومال وصوماليلاند خلال العامين الماضيين، ولا عن مساعي القوى الإقليمية والدولية لإعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية. مذكرة تفاهم أشعلت الأزمة وفي يناير 2024، وقعت إثيوبيا وصوماليلاند مذكرة تفاهم مثيرة للجدل، تمنح أديس أبابا حق استخدام شريط ساحلي بطول نحو 20 كيلومترًا لمدة خمسين عامًا، بغرض إنشاء ميناء تجاري وقاعدة بحرية، مقابل تعهد إثيوبي بالاعتراف الدبلوماسي بصوماليلاند. والخطوة مثلت اختراقًا غير مسبوق في مسار سعي صوماليلاند لنيل الاعتراف الدولي، لكنها في المقابل فجّرت أزمة حادة مع الحكومة الفيدرالية الصومالية التي اعتبرت الاتفاق انتهاكًا صارخًا لسيادتها ووحدة أراضيها، خاصة أن الإقليم أعلن انفصاله من طرف واحد عام 1991 دون أي اعتراف دولي. إثيوبيا: هاجس البحر والبحث عن المنافذ وتعد إثيوبيا، التي يزيد عدد سكانها على 120 مليون نسمة، أكبر دولة في العالم بلا منفذ بحري منذ استقلال إريتريا عام 1993، ومنذ ذلك التاريخ، ظل الوصول إلى البحر أولوية استراتيجية متقدمة في سياساتها الخارجية. وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تعاملت مع ملف صوماليلاند باعتباره ورقة ضغط جيوسياسية واقتصادية، تتيح لها تنويع منافذها البحرية وتقليص اعتمادها على موانئ جيبوتي، حتى وإن أدى ذلك إلى توتير علاقتها مع مقديشو. الصومال: معركة سيادة لا مساومة فيها من جانبها، تعاملت الحكومة الصومالية برئاسة حسن شيخ محمود مع الاتفاق في ذلك الوقت، بوصفه تهديدًا وجوديًا، لا مجرد خلاف دبلوماسي. فالصومال، الخارج تدريجيًا من عقود من الفوضى، يرى في أي اعتراف بصوماليلاند سابقة خطيرة قد تفتح الباب أمام تفكك الدولة. وردت مقديشو بتصعيد دبلوماسي وأمني، شمل طرد السفير الإثيوبي، وتعزيز تحالفاتها العسكرية، والتلويح بإعادة النظر في دور القوات الإثيوبية ضمن بعثات حفظ السلام على أراضيها. الوساطة التركية: احتواء الانفجار وأمام خطر انزلاق الأزمة إلى مواجهة مفتوحة، دخلت تركيا في ديسمبر الماضي، على خط الوساطة، مستندة إلى شراكتها الاستراتيجية العميقة مع الصومال وعلاقاتها المتوازنة مع إثيوبيا. وفي ديسمبر 2024، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوصل إلى اتفاق تاريخي في أنقرة، أنهى حالة القطيعة بين مقديشووأديس أبابا، ونص الاتفاق على تمكين إثيوبيا من الوصول إلى المياه الدولية عبر الأراضي الصومالية، من دون المساس بالسيادة الصومالية أو الاعتراف بصوماليلاند. ورغم أن مصادر صومالية وصفت مذكرة التفاهم الإثيوبية–الصوماليلاندية بأنها ماتت ودفنت"، فإن جوهر الخلاف ظل قائمًا تحت السطح، بحسب المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. صوماليلاند: الاعتراف المؤجل يعود من نافذة جديدة تأتي الأنباء عن الاعتراف الإسرائيلي بصوماليلاند لتعيد خلط الأوراق فالإقليم الذي يتمتع باستقرار نسبي، ومؤسسات منتخبة، وعملة خاصة، ظل لعقود نموذجًا "غير معترف به" لدولة قائمة بحكم الأمر الواقع. ويعد أي اعتراف دولي، ولو من دولة واحدة ذات وزن سياسي، قد يشجع أطرافًا أخرى على إعادة النظر في موقفها، لكنه في الوقت ذاته يهدد بإعادة إشعال التوترات مع الصومال، ويضع إثيوبيا في موقف دقيق بين مكاسبها الاستراتيجية والتزاماتها الدبلوماسية الجديدة. الإقليم على مفترق طرق بين طموحات إثيوبيا البحرية، وإصرار الصومال على وحدة أراضيه، وسعي صوماليلاند المحموم للاعتراف، تقف دول الجوار والكتل الإقليمية مثل "إيجاد" أمام اختبار صعب للحفاظ على الاستقرار في القرن الأفريقي، بحسب المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. وفي حال تحول الاعتراف بصوماليلاند من خطوة رمزية إلى مسار دولي متكامل، فإن المنطقة قد تدخل مرحلة جديدة من إعادة تشكيل التوازنات، حيث لا ترسم الخرائط بالحروب فقط، بل بالاتفاقات، والموانئ، والاعترافات الدبلوماسية. أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية، اليوم الجمعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن اليوم اعتراف إسرائيل رسمياً بأرض الصومال دولة مستقلة ذات سيادة". وقالت رئاسة الوزراء الإسرائيلية: "الاتفاق مع أرض الصومال يأتي في إطار اتفاقيات أبراهام التي وقعت بمبادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، بحسب الحساب الرسمي لرئاسة الوزراء الاسرائيلية علي منصة "إكس". وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان إن نتنياهو دعا رئيس صوماليلاند خلال اتصال هاتفي للقيام بزيارة رسمية إلى إسرائيل. وأضافت الوزارة أن رئيس إقليم صوماليلاند أعرب عن شكره لنتنياهو على إعلانه التاريخي، وعبّر عن تقديره لإنجازات رئيس الوزراء الإسرائيلي في مكافحة الإرهاب وتعزيز السلام الإقليمي، على حد تعبيرها. وأوضحت الوزارة أن إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها فورا مع صوماليلاند من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد. وتابعت أن "نتنياهو توجه بالشكر لوزير الخارجية الإسرائيلي، ورئيس جهاز الموساد على مساهمتهما في هذا التطور اليوم.