ثَمَّةَ خطوط فاصلة ينبغي التأكيد علي وجودها، حاضرة أبداً لا تغيب عن رؤية الدولة المصرية الجديدة وهي في سبيلها إلي تجسيد الطموحات الثورية الكفيلة بتحقيق حياة أفضل، يستحقها الشعب المصري، تتبني مختلف القيم السائدة في المجتمعات الديمقراطية الحديثة. فليس من شك أن نجاح جماعة الإخوان الإرهابية في تسلق ثورة الخامس والعشرين من يناير وصولاً إلي الحكم، لا يتيح لأعداء الثورة مجالاً لاختزال الثورة، بمبادئها وأهدافها الإنسانية السامية، فيما شهدته البلاد، ومازالت تشهده، من ممارسات إخوانية لا تنتمي علي الإطلاق لجوهر الثورة المصرية المجيدة. وفي السياق ذاته، فإن تأييد بقايا نظام مبارك الفاسد، الامتداد التصحيحي للثورة في الثلاثين من يونية، لا يهيأ لهم فرصة غسل الأيادي الملوثة بالفساد الذي استشري فاستنهض الملايين لتزيله في الخامس والعشرين من يناير من أمام فرصتها المشروعة في حياة أفضل؛ فليس الثلاثين من يونية إلا الامتداد التصحيحي لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة؛ ومن ثم خرجت الملايين لتؤكد علي ثورتها لا لتنقلب عليها بثورة جديدة كما جاء في تفسير ووصف بقايا نظام مبارك الفاشي للثلاثين من يونية. وفي هذا الشأن تأتي أهمية كون محاربة إرهاب الجماعة الإخوانية، لا ينبغي أن تبرر تراخياً في مواجهة الإرهاب الفكري الصادر من بقايا نظام مبارك، حشداً زائفاً لقيم لطالما استبعدوها تماماً علي مدى عدة عقود، فليست مناداتهم بالحقوق الدستورية إلا استمساكاً بخيوط الأمل في عودة إلي ما قبل الخامس والعشرين من يناير، وليست الجماعة الإرهابية التعبير الأصدق عن الثورة، قدر ما هي نتاج ممارسات وسياسات نظام مبارك الذي اتخذ منها سبيلاً نحو المناورة واكتساب شرعية كاذبة في الداخل والخارج علي السواء، باعتبار الوطن يخلو إلا من أتباع مبارك وبديع!. ولعل في ذلك ما يشير إلي حقيقة مؤلمة مفادها حتمية إعادة الفرز الوطني، وفق ما نرصده من دور فاعل «لبعض» من شركاء الطريق الثوري، وقد اتخذوا من المواقف ما يتيح ممرات آمنة أمام عودة أتباع مبارك وبديع علي السواء، وإن اختلفت في ذلك وتعددت السُبل، بفعل النجاح الأزلي للمال السياسي، سواء المنهوب من مقدرات الشعب والوطن عبر عهود فساد مبارك، أو الصادر عن تمويل التنظيم الإخواني الدولي، وهو ما يؤكد حقيقة القواسم المشتركة للمرتكزات الفكرية لأتباع مبارك وبديع. من جهة أخرى، واستمراراً لرصد جملة من الخطوط الفاصلة، من شأنها إبراز حقيقة الأوضاع علي الأرض، تجدر الإشارة إلي محاولات البعض، عمداً أو عن جهل، الدفع باتجاه تحويل الثورة المصرية المجيدة، من ثورة شعبية جامعة حول المصالح الوطنية العليا، إلي مفاهيم «طبقية» بغيضة، تؤتي أثرها سريعاً في الصف الوطني، تشتيتاً لا تجميعاً، وخصماً لا إضافة؛ فليس إلا وحدة الصف الوطني أولوية سابقة علي ما عداها من أولويات علي طريق تحقيق الدولة الديمقراطية الحديثة التي تنشدها مختلف القوى الثورية المخلصة. وعليه فإن حكمة واجبة، نبتعد بها عن أن نهيئ من «العدالة الاجتماعية» سبيلاً إلي شق الصف الوطني، استناداً إلي كونها ليست حكراً علي نظام بعينه، له ما له وعليه ما عليه، لكنه بالقطع ولي وابتعد عن حقائق ومتغيرات عدة جرت؛ ومن ثم لم تعد أدواته تصلح منهجاً حاكماً في ظل معطيات المرحلة الراهنة وما تفرضه من آليات متوافقة. تلك خطوط فاصلة، نخرج عن سواء السبيل الثوري إن نحن أهدرنا ما في جوهرها من قيم ديمقراطية. «الوفد»