نجح الطب فى زراعة كل شىء تقريبا.. من الكبد.. إلى الكلى.. إلى القلب..حتى الوجوه البشرية نجحوا فى زراعتها.. إلا شيئاً واحداً فقط استعصى عليهم.. وفشلوا فى زراعته.. ذلك هو «الضمير»!! هل لأن الضمير شىء غير محسوس.. وغير مرئى.. فلايمكن رؤيته رأى العين..كباقى اعضاء الجسم البشرى.. أم لأن الضمير يموت بموت الانسان.. بعكس باقى اعضاء الجسد.. فيستعصى نقله.. أم لأنه لا يوجد أحد «عاقل» فى الدنيا يمكن أن يبيع ضميره أو يتبرع به!! والآن لنا أن نتساءل ما هو الضمير؟! الضمير فى رأيى هو جواز مرور الانسان الى عالم الانسانية.. هو الفارق بين الانسان والحيوان.. هو مجموعة من القيم والاخلاق..التى تمثل للانسان «الفرامل» التى تمنع انزلاقه إلى مستنقع الوحل المليء ببشر ينتمون الى عالم الانسانية بطريق الخطأ.. يعتبرون الانسانية ضعفاً.. والرومانسية عبطاً!! أما الأحدث الآن من عملية زراعة الأعضاء البشرية فهو تخليق الأعضاء عن طريق أخذ خلية من الخلايا واخضاعها لعمليات معينة حتى تعطينا فى النهاية عضواً بشرياً كاملاً.. وقد نجح العلماء فى تخليق كل الأعضاء.. إلا الضمير.. فهو الوحيد الذى استعصى عليهم.. وهذا يدل على مكانة هذا العضو فى حياة الانسان.. والسؤال هنا: هل هذا العضو يخلق مع الإنسان أم أنه مكتسب من الحياة؟! يقينى أن الضمير يخلق مع خلق الانسان.. وهو من مكونات الفطرة الأولى للانسان.. بدليل أننا لم نر وليداً لصاً أو غشاشاً أو قاتلاً.. وهى مجموعة الجرائم التى تعنى أن هناك عطباً أصاب الضمير.. أو أن مرضاً آلم به.. وما أن يكبر الانسان حتى يكون الضمير هو الاختبار الأول لسلامة «إنسانية» الانسان.. فقد يحافظ عليه الانسان ويرعاه وينميه.. وقد يمنحه إجازة طويلة ولايستخدمه فيمرض ويضمر.. وأحيانا يموت تماما وهنا يصبح الإنسان منزوع الانسانية «دايت».. هو الى الحيوان أقرب.. يأكل ويشرب كالبشر.. لكنه كائن غنى بالانتهازية والاستغلال وكل قوى الشر!! إذن الضمير هو الفارق بين الانسان.. والمتأنسن.. أى الذى يشبه الإنسان شكلا.. لكنه لاينتمى للإنسانية الحقة! قد تسألونى الآن.. لماذا لم تتحدث عن الدين فى منظومة الضمير.. فأين هو منها؟! فأجيبكم بأن الدين عامل اساسى فى تكوين الضمير الانسانى.. وقد يكون الأهم.. ولكنه ليس الوحيد.. فدائما ترى من يتشرب من الدين الحق.. يكون فى مصالحة مع الضمير.. بل مصادقة.. والعكس صحيح.. بمعنى أن من يبتعد عن الدين وينفر منه.. تجده فى خصام دائم مع الضمير.. لكن الدين ليس هو المكون الوحيد والوقود الحصرى المغذى للضمير.. فهناك مجموعة القيم تشكل دورا لايمكن اغفاله .. بدليل أن هناك من لا ينتمى لأى دين.. ومع ذلك تجد الضمير لديهم فى حالة يقظة دائمة.. لايغفو.. ولا ينام رغم أن أصحابه بلا دين أو من يطلق عليهم «اللادينيين»! والآن لو سألتمونى أى ضمير كنت تتمنى زراعته لو كان لديك القدرة على ذلك؟.. ومن هو صاحبه؟! فأجيبكم.. كنت أتمنى زراعة ضمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. والذى كان يبكى من ثقل المسئولية على كاهله.. وكان يقول لو أن دابة فى شمال العراق تعثرت.. لسئلت عنها.. لماذا لم أمهد لها الطريق.. أما ثانى الضمائر التى كنت أتمنى زراعتها فهو ضمير عمر بن عبدالعزيز الذى تخلى عن لبس الذهب والحرير.. وجاهد حتى استطاع خلال عامين وخمسة أشهر ان يطعم البشر وحتى الطير فى السماء.. حتى لم يتبق فى بلده فقير أو محتاج يستحق زكاة المال. أراكم تقولون الآن لماذا لم تفكر إلا فى زراعة ضمائر الحكام.. يعنى سيادتك لا ترغب إلا فى زراعة الضمائر «الملوكى»!! فاقول لكم حتى أنفى عن نفسى هذه التهمة.. أننى ارغب أيضاً فى زراعة ضمير بائعة اللبن التى رفضت ان تطيع أمر والدتها بغش اللبن.. ولما قالت لها أمها إن أمير المؤمنين لن يرانا.. فقالت لها الابنة ولكن رب عمر سيرانا.. فأعجب بها أمير المؤمنين عمر.. وقد سمعها عمر وهو يتفقد احوال الرعية.. وعلى الفور زوجها لابنه عبد الله.. مكافأة لها على امانتها..و يقظة ضميرها.. قد تلاحظون أن أيام النبي كان الضمير حاضرا ومستيقظا فى كل صحابته الاجلاء.. رضوان الله عليهم أجمعين.. ربما لوجودهم وتعلمهم من رسول الله خير البرية. أما الآن فانت تبحث عن الضمير كمن يبحث عن إبرة فى كوم قش.. واذا وجد بيننا.. فانه يدوب يكون على وش القفص.. أما باقى القفص البشرى فينطبق عليه المثل القائل من بره هلهله.. ومن جوه يعلم الله.. وقانا الله ووقاكم شر موت الضمير أو حتى عطبه.. أو غفوته.