لا صوت يعلو فوق الحديث عن مستلزمات الدراسة والمدارس.. جميع المنازل المصرية أعلنت حالة الطوارئ القصوى.. الجميع مشغولون فى كيفية تدبير الأموال لدفع مصاريف المدارس، وشراء الكتب الدراسية والزى المدرسى، ودفع قيمة اشتراك الأتوبيس.. وغيرها من المتطلبات التى حولت حلم تعليم الأبناء إلى كابوس يطارد الآباء.. وبعد أن كان الأهل ينتظرون بدء الدراسة بفارغ الصبر لينعموا برؤية فلذات أكبادهم يكبرون أمام أعينهم، ويتمتعون برؤية ثمرة تعبهم وهى أوشكت على النضج، باتوا يخشون قدوم شهر سبتمبر، ويعلنون الطوارئ قبل مجيئه بشهور. الشغل الشاغل لكل رب أسرة الآن هو كيفية تدبير كل تلك المصاريف الملقاة على كاهله.. لذا فالبعض يلجأ للاقتراض من جهة عمله أو أقاربه، وآخرون يتحايلون على أزمة المصاريف بالدخول فى «جمعيات» مع الزملاء.. كل هذه المعاناة من أجل تعليم الأبناء فى منظومة تحتل فيها مصر بحسب تقرير التنافسية العالية الصادر عن المنتدى الاقتصادى هذا العام المركز الأخير فى جودة التعليم الأساسى. الأسر المصرية وفقا للدراسات تنفق 36.7% من إجمالي إنفاقها السنوي على التعليم، وتشكل الدروس الخصوصية 42% من إجمالي إنفاق الأسر المصرية على التعليم. الخبراء التربويون ينتقدون ميزانية التعليم مصر والتى لا تتعدى 4% من إجمالى الموازنة العامة للدولة، وأكدوا أن الميزانية المخصصة للتعليم أقل من المخصصات المالية لشئون الدفاع والأمن والأموال المخصصة لدعم الطاقة، فى حين أن ميزانية التعليم فى جميع الدول المتقدمة تحتل المرتبة الأولى. زاد من مأساة التعليم فى مصر هو لجوء الأسر الميسورة الحال، والمتوسطة، إلى المدارس الخاصة لتخلص من آفات التعليم الحكومى، وهو ما جعل آلاف الأسر المصرية تسقط فى براثن تلك المدارس التى تتاجر بالطلاب وتستنزف الآباء مستغلين رغبتهم الجامحة فى أن يروا أبناءهم فى مستقبل أفضل، ليسدل الستار نهائياً على فكرة مجانية التعليم الذى وضعها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكانت سبباً فى وصول شرائح مجتمعية فقيرة إلى أعلى السلم الاجتماعى، وهو أمر فى طريقه إلى الزوال فى ظل احتدام المنافسة بين المدارس الخاصة والمدارس الدولية التى لا يقدر على مصاريفها سوى شريحة صغيرة جداً من المجتمع، وتلبى وحدها متطلبات سوق العمل، الذى يكتظ بآلاف الخريجين، بحيث يكون الأفضلية بالطبع لخريج تلك المدارس الدولية. عدد من أولياء الأمور لجأوا لعمل تحالفات للدفاع عن حقوق أبنائهم وكشف فضائح وممارسات تلك المدارس، بدأت تلك التحالفات على مواقع التواصل الاجتماعى إلا أنه مع تحول قضية جشع المدارس الخاصة إلى قضية رأى عام تحولت تلك التحالفات الإلكترونية إلى حركات على أرض الواقع، توازى فى قوتها الحركات الثورية التى خرجت إبان ثورتى 25 يناير و30 يونية، من أبرزها ائتلاف أولياء أمور مدارس مصر، الذى يقود انتفاضة أولياء الأمور، والتى بدأت بتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة التعليم، استعدادا لمزيد من الوقفات التى يتم الكشف فيها عن مخالفات جميع المدارس، وتقديمها للمساءلة. لماذا تحول العام الدراسى إلى كابوس يخشاه أولياء الأمور، ويعلنون على إثره حالة من الطوارئ فى المنازل.. سؤال نطرحه على خالد صفوت عضو مؤسس فى ائتلاف أولياء أمور مدارس مصر، وأحد الذين يقودون انتفاضة الأهالى ضد جشع المدارس وتراخى الوزير عن محاسبتهم قائلاً: «يعانى النظام التعليمى فى مصر من آفات عديدة أهمها البيروقراطية والفساد فضلاً عن القرارات المركزية العشوائية والمناهج القديمة وتدنى مستوى تأهيل المعلمين وضعف رواتبهم وكلها أمور متشابكة تسببت فى فشل المنظومة التعليمية بأكملها. ويضيف العام الدراسي تحول إلى أزمة لكل أسرة مصرية وحمل ثقيل يتحمله كل ولي أمر ومعاناة شديدة تعصف ببعض متطلبات الأسر المصرية نظراً لزيادة مصروفات الزي والباص والأدوات المدرسية، أولياء الأمور من الطبقة المتوسطة أي أنهم موظفون مرتباتهم محدودة ولا يستطيعون مجاراة جشع مافيا التعليم الخاص نظراً لارتفاع المصروفات بشكل مبالغ فيه. ويوضح صفوت «أن المصروفات المدرسية ارتفعت بنسب تتراوح بين 20 و45%، الزي المدرسي قارب علي 1000 جنيه، الباص أسعاره تتراوح بين 2000 و3000 جنيه، وفضلاً عن الأدوات المدرسية المطالب بها ولي الأمر كل عام، فى حين أن أقل مدرسة خاصة تبدأ أسعارها من 6000 جنيه كمصروفات مدرسية طبعاً بالمخالفة لقانون التعليم في الزيادة السنوية. وعبر عن أسفه من جودة الخدمات فى تلك المدارس قائلاً: «لخدمات المقدمة لا تتناسب مع أسعار تلك المدارس، فضلاً عن عدم الاهتمام بالعملية التعليمية وهو ما يحمل أولياء الأمور نفقات أخري فى مقدمتها الدروس الخصوصية التي تزيد الحمل علي أولياء الأمور وتضغط علي حياتهم أكثر مما يتسبب في خلق مشاكل أسرية، بالإضافة إلي عدم الرعاية التربوية والنفسية وأيضاً الأنشطة المدرسية التي أصبحت باشتراك شهري داخل المدرسة وكأن الطفل داخل ناد لا مدرسة فكل شىء بالمدارس الخاصة تحول إلي سلعة تباع وتشتري. يلتقط منه طرف الحديث غاضبا زميله ياسر وفيق قائلاً: «العملية التعليمية تحتاج إلى ضمير أكثر من احتياجها للمال والتعليم عندنا يحتاج إلى معجزة لانتشاله، مضيفاً «أن التعليم بمثابة جهاز المناعة لأية أمة والتعليم الضعيف كجهاز المناعة الضعيف الذى لا يستطيع مقاومة الفيروسات التى تهاجم جسده فيقع فريسة لهذه الفيروسات التى تتكالب عليه من كل حدب وصوب». ويشدد ياسر الذى أصبح ناشطاً فى مجال مناهضة جشع المدارس الخاصة على ضرورة قراءة كل ولى أمر للائحة المدرسة المعلقة على جدرانها ويقارنها باللائحة الموجودة داخل المديرية التابعة لها المدرسة، لافتا إلى ضرورة الاطلاع على قرار 420 عام 2014، الذى ينظم عمل المدارس الخاصة، وكذلك القرار الوزاري رقم (422) الصادر بتاريخ 13/9/2014 بشأن ضوابط وتنظيم العمل بالمدارس الخاصة التي تطبق مناهج ذات طبيعة خاصة (دولية). وفى حال وجود أى اختلاف يتوجه ولى الأمر على الفور بتقديم شكوى ضد المدرسة. وانتقد ياسر عدم نشر وزير التعليم لمصروفات المدارس الخاصة بشكل واضح، ليتم محاسبة المدارس الخاصة على أى تجاوز رغم بدء العام الدراسى. تشتكى هبة محمد « محامية لديها طفلان فى مدرسة لغات من ارتفاع المصاريف هذا العام بشكل لا يقتصر على مصاريف المدرسة وإنما كل البنود حتى الزى المدرسى يصل سعره ل500 جنيه وتقوم المدرسة بتغيير لون الزى كل فترة لتجبر أولياء الأمور على شراء الزى بسعر خرافى فى حين أن تكلفته الفعلية لا تتجاوز 70 جنيهاً، كما أن سعر الأتوبيس تضاعف بحجة ارتفاع سعر البنزين، دون أن تكون هناك أى ضابط على الأسعار. وتكمل هبة شكواها قائلة: نجد صعوبة بالغة حتى فى توفير الوجبة المدرسية لأبنائنا فى ظل ارتفاع سعر الجبنة بشكل باهظ وكذلك البيض والحلاوة، متسائلة: أليس من حق أى طفل أن ينعم بوجبة غذائية متكاملة تعينه على استكمال يومه الدراسى الذى يتجاوز 10 ساعات إذا ما وضعنا فى الاعتبار المسافة التى يقضيها الطفل فى طريقه إلى المدرسة، كيف أوفر لابنى سندوتش جبنة كل يوم وسعر الكيلو 60 جنيهاً، في حين أن سعر كيلو الحلاوة يتراوح من 20 - 30 جنيهاً. وتعبر ربة الأسرة عن أسفها من تدهور حال الأسرة المصرية ليصبح كل شغلها الشاغل توفير وجبة الإفطار لأبنائها والتي تكبد ربة المنزل 5 جنيهات للطفل، فما بالك بمن لديه أكثر من طفل؟ وطالبت «هبة» الحكومة بضرورة التصدى لجشع المدارس التي حولت التعليم إلي سلعة تباع وتشترى وجعلت الأسرة المصرية تعيش في حالة من التوتر وترفع من درجة الطوارئ طوال العام الدراسى لتلبى متطلبات العملية التعليمية التي لا حد لها.