وهذا خلافا بطبيعة الحال لقول الشاعر، قم للمعلم ووفه التبجيل كاد المعلم ان يكون رسولا. لكن اهتمام الدولة، أو الحكومة، بتحسين أوضاع المعلم المادية، دونما أية اعتبارات، أو إصلاحات أخرى موازية ومتوازنة ومتكافئة ومتزامنة، قد لا تأتى بأية ثمار أخرى مرجوة، أو مستهدفة، على الإطلاق، من عملية تحسين أوضاع المعلم المادية، كالارتقاء مثلا بالمستوى التعليمي، والتقني والفكري، والتربوي للطالب بصفة خاصة، وبالعملية، أو حتى المنظومة التعليمية، بأسرها بصفة عامة، وبما فى ذلك الارتقاء بمستوى المعلم ذاته فنيا وتقنيا، وأيضا خلقيا. أما ثبات جميع العناصر الأخرى الضرورية، واللازمة، والمتلازمة، مع العملية التعليمية، والتركيز فقط على جانب واحد، وهو فقط تحسين أوضاع المعلم المالية، فهذا كفيل ليس فقط بالعودة بنا إلى القهقري, وعلى مختلف الصعد، وإنما أيضا سوف يجعل من المدرس قارون العصر الذى كان من قوم موسى فبغى عليهم فخسف به الله سبحانه وتعالي، وبداره، الأرض، وذلك لأن الأموال وحدها لم تكن كافية فى تربيته وتهذيبه، واندماجه فى مجتمعه، وكذا امتثاله لتعاليم وتعليم النبي موسى عليه السلام..! وهكذا نحن نفعل مع المعلم فى حقيقة الأمر، أجزلنا له العطاء ماديا، ولكن لم يوقفه هذا عن الاستمرار فى إعطاء الدروس الخصوصية، بل أن الجشع قد وصل بالعديدين منهم إلى حتى فتح مراكز بأكملها للدروس الخصوصية، مع تعيين موظفين وسكرتارية، وحتى معلمين مساعدين لإدارة تلك المراكز، واستقطاب أكبر عدد ممكن من ضحايا تلك المراكز، وغيرها..! وقد أدى الأمر المغالاة فى تحسين أوضاع المعلم المالية، وحده فقط، ومن ودن فئات المجتمع الأخرى، والذين يخدمون أيضا ويرفدون ذات العملية التعليمية نفسها وفى حقيقة الأمر بالعديد من المعلمين، إلى شبه الانعزال عن المجتمع بل ولا نغالي إذا قلنا الانعزال حتى عن المجتمع التعليمي ذاته وصار أكثر ما يشغل المعلم اليوم هو ماركة السيارة المفضلة لدى مجتمع المعلمين، والذى يجب أن يبادر يشتريها هو، وقبل غيره، وحتى لا يتخلف عن الركب التعليمي..! ولكن فى الحقيقة بقية كلمة، وهى إننا إذا أردنا أن نفكر فى أن نرتقى بحق بالدولة مصرنا الغالية فيجب أن يكون فكرنا، وتفكيرنا متوازناً، وعادلاً فى ذات الوقت. وذلك لأنه لا يصح أن نقول أن المعلم هو فقط صاحب رسالة فى هذا الكون، أو فى هذا البلد، ومن ثم فيجب إن يكون متميزا، ماديا، أو ماليا، عمن سواه من بقية فئات المجتمع الأخرى. وذلك لأن كل فرد خلقه الله سبحانه وتعالي فى هذا الكون فى حقيقة الأمر هو صاحب رسالة، وذلك بدءا من عامل النظافة، وحتى عالم الذرة إن وجد لدينا هذه الأيام ثم أننا عندما نرتقى بفئة ما من المجتمع على حساب فئات أخرى فإننا نخلق بذلك وبالفعل، وبأيدينا نحن، ضغائن اجتماعية نحن فى غنى عنها، ويمكن أن تعوق التعليم، والعملية التعليمية ذاتها، وذلك حتى فى الأجل القصير، والمتوسط. فهل يعقل مثلا وفى الحقل الواحد كالحقل التعليمي مثلا أن أميز المدرس، ولا أميز وبنفس الدرجة الإداري والعامل، واللذين يعملان فى ذات الحقل التعليمي، واللذين لا يبذلان، وبأية حال من الأحوال، جهدا أقل من المعلم ذاته، ثم هل فكرنا فى شعور ومشاعر كل منهم عندما يقفون جميعا أمام الصراف ليتقاضى كل منهم راتبه فى نهاية الشهر، فيجد كل من الإداري والعامل أنهم لا يحصلون إلا على الفتات، مع التزامهم بمواعيد العمل اليومية، وكذا انضباطهم فى العمل وذلك على النقيض تماما من المعلم الذى جل تفكيره منصب فقط على الدروس الخصوصية، والمراكز الخاصة بتلك الدروس، وليس على المدرسة التي يعمل بها، ولا على الطالب الى تعهد بالتدريس له فى الفصل، وفى المدرسة الملحق به كل من المعلم والتلميذ..؟! ثم إننا، وهذا هو الأهم، عندما نفكر بفكر متوازن، وعادل فى كل فئات المجتمع، ونفكر فى الارتقاء بهم جميعا وبشكل متوازن، فإن ذلك من شأنه أن يضمن الارتقاء بالمجتمع ككل، ودونما أية أحقاد، أو ضغائن طبقية، أو فئوية، وذلك باعتبار أن كل فرد فى هذا الكون هو بالفعل صاحب رسالة، وليس فقط المعلم، والذى كاد أن يكون قارونا بالفعل، هذه الأيام، وليس رسولا ..!