لقد انتقل صراع الدعاية والإعلان من ساحة الفن إلي ساحة التعليم، وبدلا من صراع المغنيات أو الراقصات إلي صراع من نوع مشابه وهو الصراع بين المسلمين للفوز بأكبر قدر ممكن من الدروس الخصوصية.. ولكن لذكاء القوي المتصارعة علي الدروس الخصوصية فقد استخدم المعلمون نفس المسميات الخاصة التي كان العديد من الفنانين والفنانات يستخدمونها، ولماذا هناك ملك الشاشة لماذا لا يكون هناك ملك الفيزياء، ولماذا يكون لقب سيدة الشاشة العربية حكرا علي فاتن حمامة فقط، لماذا لا تكون هناك معلمة توصف بأنها سيدة تدريس اللغة الألمانية، ومن هذا المنطلق فوجئنا بالعديد من الألقاب والإعلانات التي تملأ الشوارع عن المعلمين تارة وعن المراكز التعليمية تارة أخري، وكل هذه لجذب الانتباه وبالتالي جذب أكبر عدد ممكن من التلاميذ الباحثين عن أسهل وأأمن طريق للحصل علي درجات عالية وبالتالي تحقيق حلم الالتحاق بكليات القمة. وإليكم أمثلة لأفيشات الدروس الخصوصية فهذا الأستاذ ملك الفيزياء وكأنه أينشتاين أو بأقل تقدير نيوتن القرن الواحد والعشرين، وذلك جابر بن حيان أقصد أستاذ أساتذة الكيمياء، أما الآخر فهو معلم الأجيال ومن بين تلاميذه سيبويه وابن مالك ولكن لتواضعه الجم فقد جاء ليدرس طلاب المرحلة الثانوية مادة اللغة العربية، أما الفيلسوف رائد علم الاجتماع ابن خلدون فواأسفاه لم تتح له فرصة للتعلم علي يد أستاذ علم الاجتماع مقدم البرامج التعليمية في التليفزيون، أما بالنسبة لمؤسس علم الرياضيات الحديثة فليس لديه الكثير من الوقت لإعطاء دروس لمجموعات صغيرة لذلك فهو يستغل اتساع قاعات الأفراح في إقامة عرس خاص بالمراجعة النهائية أي مراجعة ليلة الامتحان، وهكذا. ولأن أسباب انتشار الظاهرة معروفة للجميع لذلك في الأسطر التالية أود أن أقدم بعض المقترحات للحد من هذه المشكلة، ولكن علي القارئ أن يفكر قليلا قبل الحكم في منطقية أو غير منطقية المقترحات التالية: 1 تقنين الدروس الخصوصية، وذلك من منطلق أن الممنوع مرغوب، فعند تقنين الدروس الخصوصية بإكسابها صفة شرعية (يجعلها تحت الإشراف المباشر من وزارة التربية والتعليم) علي أن يعد المعلم الراغب في إعطاء الدروس الخصوصية مكانا ملائما للطلاب (بهذه الطريقة لا يثقل كاهل الأسرة في إعداد مكان مناسب للمعلم وما يصطحبه من طلاب آخرين)، وضع شروط خاصة بالدروس مثل تحديد عدد أفراد المجموعة الواحدة "لا تزيد المجموعة علي 5" (بهذه الطريقة نضمن ألا تصبح الحصة الخصوصية فصلا دراسيا، وكذلك نضمن أن يفهم الطالب ويستوعب في مجموعة صغيرة العدد) شرط آخر تقديم إقرار ضريبي حقيقي وبهذا تحصل الدولة علي حقها كاملا من المعلمين بدلا من التهرب. 2 العمل في نفس الوقت وبصورة متوازية علي تحسين التدريس داخل الفصل الدراسي واعتبار أن العمل الجيد الذي يقوم به المعلم أحد شروط حصوله علي ترخيص بالعمل كمدرس خصوصي، وبهذه الطريقة نضمن قيام المعلم بعمل جيد إن لم يكن من أجل الضمير سيكون من أجل المصلحة الشخصية المتمثلة في العمل الخاص. 3 تدريب المعلم علي التدريس للفصول كبيرة العدد، حيث يمكن تمكين المعلم من استخدام طرق التدريس الخاصة بالأعداد الكبيرة وبهذا يتحسن أداؤه داخل الفصل الدراسي، مما يزيد من الفائدة التي تعود علي جميع الطلاب فيقلل من إقدامهم علي الدروس الخصوصية. 4 التشديد علي حضور الطلاب والمعلمين، وذلك لأن معظم الدروس الخصوصية تتم في أوقات المدرسة، حيث لا يحضر الطلاب ويزوغ المعلمون من المدرسة حصة أو حصتين علي حسب الظروف، لذلك فالتشديد علي الحضور يساعد في الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية. 5 الاهتمام بالإشراف والتوجيه الفني، ولا أقصد حملات التفتيش التي كانت تتبع من قبل، بل ما أقصده هو التوجيه الفني من خلال موجهين مدربين علي تحديد الدعم الفني المطلوب للمعلم ليحسن من أدائه، وكذلك علي الموجهين أن يتقنوا الطرق المناسبة التي يمكن تقديم الدعم الفني من خلالها علي أن تتناسب هذه الطرق وطبيعة كل معلم، بهذا يتحسن أداء المعلم الأمر الذي ينعكس بدوره علي فائدة الطلاب، وبهذا قد تنحصر ظاهرة الدروس الخصوصية ولو قليلا. 6 تحسين نظام الامتحانات وحساب الدرجات، حيث يتم وضع الامتحانات بطريقة تركز علي تحدي قدرات الطالب العقلية وبالتالي يقل احتياج الطالب لتلخيص المنهج ومنها قد يقل الإقبال علي الدروس الخصوصية حيث إنها سوف لا تجدي في الحصول علي الدرجات العالية في الامتحانات. إ كل مقترح من المقترحات السابقة يساعد بقدر معين في الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، لذلك فلكي نحصر هذه الظاهرة ونقضي عليها لا يجب أن نطبق مقترحا بمفرده ثم نطبق مقترحا آخر بعده بل علينا أن نطبق جميع المقترحات بطريقة متوازية وفي نفس الوقت حتي نتمكن من القضاء علي هذه الظاهرة. إن ظاهرة الدروس الخصوصية تفشت في المجتمع المصري بشكل مرضي حتي صارت مصدرا لتباهي بعض الأسر المصرية، كما صارت سببا في إرضاء ضمير بعض الآباء تجاه أبنائهم بأنهم قاموا بما عليهم تجاههم، بالإضافة إلي أن توفير المبالغ الخاصة بالدروس الخصوصية للأبناء صار السبب الرئيسي في تعليل غياب رب الأسرة عن المنزل لفترات طويلة، والأكثر خطرا أنه لتوفير هذه المبالغ صار الآباء والأمهات يعملون لفترتين أو أكثر وازدادت بذلك فترات تغيبهم عن المنزل، الأمر الذي أدي إلي التفكك الأسري، ناهيك عما قد يحدث للطالبات في ذهابهن لمنازل غير معلومة تماما لأخذ الدروس الخصوصية، وتغيب الأبناء والبنات عن المنزل، وقد يلجأ بعض الطلبة أو الطالبات إلي التعلل بمواعيد الدروس الخصوصية في لقاءات تتم بعيدا عن أعين الأسر والسبب هو الدروس الخصوصية، ومن لا يصدقني عليه متابعة الطلبة والطالبات السائرين في الشارع متجهين للدروس الخصوصية أليس كذلك؟!!