هناك فارق كبير بين أن تكون فناناً مبدعاً وتمتلك القدرة علي الابتكار بخصوصية ما تقدمه من إبداع وبين أن تكون فناناً بلا ملامح تعيش على الأنماط الغنائية المستوردة، وبالتالى تكون بلا شخصية فنية شأنك شأن العشرات ممن ظهروا فجأة ثم اختفوا إلى الأبد. الموسيقار الكبير عمر خيرت أحد العلامات البارزة فى عالم الموسيقى ينتمى إلى النوع الأول لكونه يؤسس لمدرسة مختلفة فى وضع الموسيقى التصويرية والأغانى المصاحبة للأعمال الدرامية سواء في السينما أو الدراما التليفزيونية وهو لون مختلف من الأداء الرفيع تشكل بفعل الموهبة والدراسة والاطلاع على الجديد ومزجه بالتراث ليعطينا نكهة موسيقية شرقية فى قالب عالمى، فهو يجمع بين أصالة اللحن الشرقى وخيال الإبداع الغربي، بالإضافة لكونه فناناً يتمتع بحس وطنى كبير. ويقف الخميس القادم الموسيقار عمر خيرت بفندق الماسة التابع للقوات المسلحة ليقوم بدوره تجاه الوطن كفنان بتقديم حفل موسيقى كبير يشارك به فى سلسلة حفلات دعم صندوق تحيا مصر. سألته كيف تري مشاركتك في مبادرة «تحيا مصر»؟ - قال منذ فترة وأنا أتابع مشروع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الخاص بصندوق دعم الاقتصاد المصرى «تحيا مصر»، وعندما وجدت هناك تحركاً فنياً لعمل حفلات تمنيت المشاركة، وبالفعل وجدت اتصالاً يطلب منى المشاركة في هذا العمل الوطني، سعدت كثيراً بهذا الاتصال لأننى كنت أتمنى المشاركة، فهذا الحفل أعتبره رسالة للعالم كله بأن مصر بخير وستظل هكذا طالما أن أبناءها يعرفون قدرها الكبير بين دول العالم، وأنا شخصياً لو أتيح لى تكرار التجربة فى موقع آخر أو مكان آخر سوف ألبى نداء الوطن. ماذا عن مشروع قناة السويس ومدى استعدادك لعمل حفل هناك؟ - أتمنى أن أشارك فى حفل افتتاح مشروع قناة السويس وأنا فى انتظار دعوة المشاركة من أى جهة منظمة. كثير من المشاهدين فوجئ باختلاف موسيقى مسلسل «دهشة» عن الشكل التقليدى الذى يصاحب الأعمال الصعيدية؟ - أولا الموسيقى لغة عالمية والأهم فيها أنها تترجم ما يحدث على الصورة وتكون جزءاً مهماً تضيف إليه، تؤثر فيه وتتأثر به. وهذا هو التناغم الذى نبتغيه من وراء وضع الموسيقى التصويرية، ثم إن القصة عالمية وهى تمصير للملك لير، وبالتالى أردت أن أمنح هذا العمل الشديد الإبداع من قبل المخرج والأداء الراقى للفخرانى والسيناريست عبدالرحيم كمال صفة العالمية التى يستحقها لكن فى النهاية العمل تشعر بأن جمله الموسيقية تعبر عنا وعن صميم مشاعرنا. نعم لم أستخدم الربابة والناى والمزمار كما جرت العادة فى مثل هذه الأحداث التى تدور فى صعيد مصر. ولكن هناك جملاً موسيقية تعوض هذا. وهل تقبل فريق العمل الفكرة؟ - الكل تحمس معى للفكرة والمخرج شادى الفخرانى كان راضياً للغاية وهو من البداية كان يلح على للخروج بالعمل من أى شكل تقليدى وهذا ما توافق مع فكرى وعندما استمع للموسيقي أشاد بالفكرة. لأننا أردنا أن نقدم شكسبير فى شكله غير التقليدى وأهم ما فى الحكاية أن الجمهور نفسه فوجئ بهذا، وقد تعمدت هذا الاختلاف لأن الإبداع قائم على المغامرة والحمد لله رد الفعل كان جيداً، والطبيعى أن نخرج من أى تقليدية تعودنا عليها. ما المشاهد التى توقفت أمامها وأنت تضع الموسيقى التصويرية ل«دهشة»؟ - أول مشهد كان فى الحلقة الرابعة عندما قرر الفخرانى أن يجمع بناته لتوزيع الميراث.. المشهد الثانى عندما طردته ابنته «نوال» وزوجها والتى تجسد شخصيتها سماح السعيد، ثم يتعرض للطرد مرة أخرى من الابنة الأخرى «رابحة» والتى تجسدها حنان مطاوع مما أصابه بالجنون. لغة الأداء عند الفخرانى كانت عالية جداً وكل من تابع هذه المشاهد وجد أن هناك حواراً راقياً بينه وبين الموسيقى. الكثيرون يتحدثون عن متعة العمل مع الفخراني فكيف تصفها لنا؟ - هناك ممثل عندما تتعامل معه يحتاج لأن تضعه داخل الحالة من خلال موسيقاك، أما الفخرانى فهو صاحب أداء مختلف ينقل إليك الشعور والإحساس دون وسائط. ومع الفخرانى لا أحتاج إلى وضع موسيقى طوال الوقت لتحفيز المشاهد على الاستمتاع بالمشهد ونقل الإحساس من خلال الموسيقى، علي العكس من ممثلين آخرين يحتاجون للموسيقى لتعوض النقص فى أدائهم. ولكن نوعية الموسيقى التى تضعها تحتاج إلى ميزانية كبيرة؟ - هذا صحيح أولاً لأننى أعمل بلغة السينما أى أضع الموسيقى على الصورة، وثانيا أحتاج إلى أوركسترا للتنفيذ. اهتمامك بوضع موسيقى على طريقة السينما هل هو الذى يجعلك تختار عملاً واحداً سنوياً؟ - هذا صحيح لأن المسلسل الواحد يحتاج مجهوداً كبيراً يساوى مجهود 30 فيلماً فأنا أضع الموسيقى على العمل مشهداً مشهداً، على عكس ما يحدث فى أعمال أخرى يتم وضع مجموعة من التيم الموسيقية والجمل الموسيقية ويتم تركيبها على المشاهد. احتفلت فى يونية الماضى بمرور 30 عاماً على أول ألبوم موسيقى لك؟ - هذا صحيح والفكرة لم تكن فكرتى، ولكني قدمت حفلاً على مسرح جامعة مصر بالسادس من أكتوبر، والحفل كان ضمن خطتى منذ فترة، وفوجئت بمجموعة من المعجبين بفنى، قرروا أن يتحول هذا اليوم للاحتفال بمرور 30 سنة على أول ألبوم موسيقى لى. وأنت تحتفل ب 30 سنة إبداع كيف عشت اللحظة؟ - أولاً أنا أشعر أن ال 30 سنة مجرد 30 يوماً مرت، أشعر وكأننى بدأت بالأمس.وبالمناسبة خلال هذا اليوم احتفلت أيضا بعودة مصر من جديد إلينا بانتخاب الرئيس السيسى من قبل الشعب المصرى كله. ما الذى تتذكره عن يوم ميلادك الفنى قبل 30 سنة؟ - فوجئت بالسيدة فاتن حمامة تتصل بى وتطلب منى أن أضع الموسيقى التصويرية لفيلمها «ليلة القبض على فاطمة»، وقتها لم أكن معروفا بالمرة، لم أصدق نفسى، وبالفعل انتهيت من وضع الموسيقى للعمل وحققت المقدمة الموسيقية التى وضعتها للمسلسل نجاحاً كبيراً لم أكن أتوقعه. هذا يعنى أن السيدة فاتن هى التى قدمتك؟ - تستطيع أن تقول إن الله سبحانه وتعالى وضعها فى طريقى بالصدفة لكى تكتشفنى فى وقت كانت من الممكن أن تستعين بأى موسيقى آخر، خاصة أن الفيلم كان يضم أسماء كثيرة كبيرة، فالمخرج هو بركات والبطولة لسيدة الشاشة ومعها شكرى سرحان، وبالمناسبة هذا كان العمل الأول للسيدة فاتن بعد غياب عن الشاشة. كيف تعرفت السيدة فاتن حمامة على موهبتك؟ - فى إحدى الحفلات الخاصة كنت بين المدعوين، وقمت بالعزف على البيانو، وأعجبت بالعزف واقتربت منى وسألتنى عن مؤلف هذه المقطوعات فقلت لها أنا، ففوجئت بها ترشحنى أيضا لعمل موسيقى كخلفية لسلسلة حلقات تلقى فيها أشعارا للإذاعة المصرية، وبعد أن أعجبت بها رشحتنى للفيلم. وكيف جاء الانتقال لتقديم الألبومات الموسيقية؟ - تعرفت على أحد المنتجين، وطلبت منه إنتاج ألبوم لى، وبعد إلحاح وافق لأن هذا الأمر لم تكن مصر قد عرفته من قبل، كانت موافقته مشروطة بأن نطبع 2000 شريط فقط، وحقق الألبوم رواجاً كبيراً فى الوسط الفنى وبين الجمهور. وكان غلاف الألبوم هو نفس أفيش الفيلم. ما الاختلاف بين عمر خيرت الآن وقبل 30 سنة؟ - الإبداع لم يختلف، لكننى ازددت خبرة وتراكم مشاعر وهناك تطور طبيعى كما يحدث لأى فنان، الفن قطعة منى وأنا قطعة منه والخبرة تسير معى. كيف دخلت إلى عالم الموسيقى وأنت فى الصغر؟ - منذ كنت تلميذاً بمدرسة الأورمان الحكومية، حيث كنت رئيس فريق الموسيقى، وكنت أحصل على جوائز على مستوى الجمهورية والمناطق التعليمية، وهذا التفوق توجته بأننى كنت فى اول دفعة دخلت الكونسرفتوار عام 1959. مدرستك كانت حكومية، هذا معناه أن وقتها كان هناك اهتمام كبير بالموسيقى وهذا يطرح سؤال هل التراجع الحالى سببه عدم وجود نفس الاهتمام؟ - التراجع الموسيقى هو انعكاس لما يحدث فى الشارع من سلوكيات وليس لعدم وجود حصة للموسيقى فقط، وتذكر أنه بعد ثورة 52، حدث تقدم هائل فى الموسيقى والغناء، لأن طموحات الناس كانت كبيرة لكن بعد 67 حدث انهيار كبير أيضاً وهو ما نراه الآن. إذن المرحلة التى نعيشها الآن تشبهها بمرحلة ما بعد ثورة 52؟ - نعم الإخوان كانوا بمثابة المحتل، ولابد أن نشكر الرئيس عبدالفتاح السيسى على ما فعله لعودة مصر إلينا. وبالتالى أتصور أن هناك نهضة سوف تحدث فى كل شىء بما فيها الفن، فالوطن دائما يحتاج لزعيم يوقظ بداخلنا جميعا الهمم ويحركنا فى اتجاه العمل 30 عاماً من الإبداع ما الشىء الذى لم يقدمه عمر خيرت؟ - الفنان بطبعه لا يتوقف حلمه عند مرحلة معينة، بل يواصل الحلم ليل نهار، طموحى لا سقف له. وكل يوم أشعر أننى مازلت فى البداية. عبدالوهاب كان محطة فى حياتك؟ - هذا صحيح قمت بعمل ألبومين لأعماله الموسيقية، وعندما استمع للألبوم الأول قال إن أعز هدية قدمت لى فى عيد ميلادى هى ألبوم عمر خيرت، وبالمناسبة أعمال أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم أفادتنى كثيرا فى مشوارى. مشوارك ايضا كانت به محطات عالمية؟ - الحمد لله هذا تحقق بالفعل من خلال حفلاتى فى أوروبا، ثم كانت هناك نقلة كبيرة وهى مشاركتى فى حفل تسليم رئاسة الاتحاد الأوروبى لفرنسا عام 2008، وكان قائد الفرقة فرنسيا والأوركسترا يضم عازفين من فرنسا وسلوفينيا، وحضر الحفل رؤساء دول ووزراء، والأهم من كل هذا هو رد الفعل فى الصحف والمجلات الاوروبية. فى رأيك لماذا كان رد الفعل كبيراً؟ - لأننى أقدم موسيقاهم بطعم شرقى مختلف عما يقدمونه، وبمناسبة ردود الأفعال كان هناك حفل آخر فى إسبانيا فى ميدان موسيا حضرة 10 آلاف شخص، وكان ضمن مهرجان لموسيقى الأديان الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية. تقدم ثلاث حفلات متتالية فى الأوبرا ألا يعد هذا إرهاقاً ذهنياً وبدنياً؟ - هذا صحيح لكننى لا أشعر بالتعب مادمت موجوداً فوق المسرح، ربما أشعر به بعد انتهاء الحفل. لكنه إرهاق جميل ومحبب إلى قلبى، وكلما أذهب إلى المسرح أشعر وكأننى ذاهب إلى فرح. لاحظت أنك خلال حكم الإخوان قمت بزيادة حفلاتك فى الأوبرا؟ - لسبب بسيط أن الناس كانت محبطة وكانت تريد الخروج من تلك الحالة، وكان لابد أن يكون لى دور فى هذا والحمد لله تحقق هذا، فكرة ضياع مصر كانت مسيطرة على الناس لدرجة الهوس، كلنا كنا نردد كيف ضاع البلد بهذه السهولة، والحمد لله الأمور عادت كما يريد الشعب. كيف تعود الشخصية المصرية كما كانت؟ - الهموم والمشاكل هى التى أثرت على الشخصية المصرية إلى حد كبير، وبالتالى علينا جميعاً أن نساهم بخروج المواطن المصرى من تلك الدائرة، نساعده فى الشعور بالتفاؤل والهدف والرمز وهذه الأمور موجودة، مصر الآن بخير، ولدينا الهدف وهو النهضة، ولدينا الرمز وهو المشير السيسى، وأطالب كل زملائى الفنانين بزيادة جرعة البهجة فى أعمالهم. يكفى سنوات الاكتئاب منذ 2011 حتى رحيل الإخوان كانت سنوات صعبة، لأن الفن خلال السنوات الماضية كان للأسف يقدم ما يحدث فى الشارع، الأفلام قتل وحرق ومطاوى ومخدرات، عشوائية فى كل شىء وعدم انضباط وعدم احترام للكبير، كلها سلوكيات يجب أن تحاربها بالفن والإبداع، بالمناسبة ظهور عدوية بعد 67 كان له مغزى كبير، لأنه أخرج الشحنة الموجودة داخل الناس، وهو الدور الذى يقوم به شعبان عبدالرحيم الآن.