تراجع الموسيقى انعكاس لما يحدث فى الشارع من سلوكيات طموحى لا سقف له .. ومع كل عمل جديد أشعر أننى مازلت فى البداية التگريم الأكبر لى هو فرحتنا برجوع مصر عندما تستمع لموسيقاه تشعر أن الموسيقى المصرية مازالت بخير، وان مصر مازالت تتمتع بالريادة التى احيانا نقول إننا فقدناها. عمر خيرت نموذج فريد فى عالم الموسيقى المصرية، نجاحه الأكبر أنه منح الموسيقى العربية صبغة عالمية، كانت هناك محاولات فى هذا الإطار سبقه إليها سيد درويش ومحمد عبد الوهاب والقصبجى وغيرهم، لكن دراسة خيرت فى الكونسرفتوار وموهبته الكبيرة فى التأليف الموسيقى، ساعدته فى أن يدرك ما لم يدركه الآخرون، لذلك يجد المتابع لمشوار هذا الفنان الكبير، أن جمهوره متنوع، ويضم كل الشرائح العمرية. مساء 11 يونيو، يحتفل هذا الفنان الكبير بمرور 30 عاما على طرح أول ألبوم موسيقى له بالأسواق، وفى هذا الحوار نتوقف عند محطات مهمة فى رحلته، فى التأليف الموسيقى والتلحين، خصوصا وأن جمهوره سيكون على موعد مع موسيقاه فى رمضان المقبل، من خلال مسلسل «دهشة» الذى يلعب بطولته الفنان يحى الفخرانى. •كيف جاءت فكرة الاحتفال بمرور 30 عاما على اول ألبوم موسيقى لك؟ الفكرة ببساطة شديدة، هناك حفل لى فى مسرح جامعة مصر بالسادس من اكتوبر يوم 11 يونيو، وهو حفل ضمن خطتى منذ فترة، وفوجئت بمجموعة من المعجبين بفنى، قرروا أن يتحول هذا اليوم للاحتفال بمرور 30 سنة على اول البوم موسيقى لى، وبالفعل قاموا بمخاطبة مجموعة شركات ليكونوا رعاة للحفل. •كيف استقبلت هذا الخبر؟ اولا لابد أن اشكر هذه المجموعة المحبة التى فكرت فى هذا الامر، ثانيا اسمحوا لى من خلال جريدتكم أن اقول إن هذا الاحتفال بالنسبة لى هو فرحة واحتفال برجوع مصر، وهو يأتى فى فترة اشعر فيها ببشائر الخير، احساس جميل أن احتفل بمرور 30 سنة على اول البوم لى ومصر كلها سعيدة بالخروج من المحنة التى تعرضنا لها خلال حكم الاخوان، التكريم الاكبر لى هو رجوع مصر بالسلامة. •لكنك بالتأكيد بمجرد سماعك الخبر استعدت ذكريات الماضى؟ اولا انا حاسس إن ال30 سنة مجرد 30 يوما فقط، اشعر بهذا اليوم وكأنه امس، اتذكر كل شىء حدث فيه. •ما الذى تتذكره؟ منذ 30 سنة فوجئت بالسيدة فاتن حمامة تتصل بى وتطلب منى أن اضع الموسيقى التصويرية لفيلمها «ليلة القبض على فاطمة»، وقتها لم اكن معروفا بالمرة، لم اصدق نفسى، وبالفعل انتهيت من وضع الموسيقى للعمل وحققت المقدمة الموسيقية التى وضعتها للمسلسل نجاحا كبيرا لم اكن اتوقعه. •هذا يعنى أن السيدة فاتن هى التى قدمتك؟ تستطيع أن تقول إن الله سبحانه وتعالى وضعها فى طريقى بالصدفة لكى تكتشفنى فى وقت كانت من الممكن أن تستعين بأى موسيقى آخر، خاصة أن الفيلم كان يضم اسماء كثيرة كبيرة، فالمخرج هو بركات والبطولة لسيدة الشاشة ومعها شكرى سرحان، وبالمناسبة هذا كان العمل الاول للسيدة فاتن بعد غياب عن الشاشة. •كيف تعرفت السيدة فاتن حمامة على موهبتك؟ فى احدى الحفلات الخاصة كنت بين المدعوين، وقمت بالعزف على البيانو، واعجبت بالعزف واقتربت منى وسألتنى عن مؤلف هذه المقطوعات فقلت لها انا، ففوجئت بها ترشحنى ايضا لعمل موسيقى كخلفية لسلسلة حلقات تلقى فيها اشعارا للإذاعة المصرية، وبعد أن اعجبت بها رشحتنى للفيلم. •هذا يعنى أن التجربة بدأت بالإذاعة؟ نعم، كنت غير مصدق لما حدث، كنت اذاكر ليل نهار. فرصة وجاءت وكان يجب على استثمارها. وكانت اول مرة ادخل فيها استوديو ويعمل عازفون تحت قيادتى، الحدث كان كبيرا بالنسبه لى. •وكيف جاء انتاج ألبومك الموسيقى بعدها؟ كنت قد تعرفت على احد المنتجين، وطلبت منه انتاج البوم لى، وبعد إلحاح وافق لأن هذا الأمر لم تكن مصر قد عرفته من قبل، لم يكن هناك البوم موسيقى مصر، كانت موافقته مشروطة بأن نطبع 2000 شريط فقط، وحقق الالبوم رواجا كبيرا فى الوسط الفنى وبين الجمهور. وكان غلاف الالبوم هو نفس افيش الفيلم. •وماذا كان رد فعل المنتج؟ طبعا لم يحاول مرة واحدة أن يوحى لى أن الالبوم حقق نجاحا، كان دائم الشكوى رغم انه مازال يبيع حتى الآن. •أليس غريبا أن يأتى اكتشافك على يد السيدة فاتن حمامة رغم أن عمك هو الفنان الكبير ابو بكر خيرت مؤسس الكونسرفتوار ؟ عمى هيأ لى المناخ، لكن قضية ترشيحى لعمل بعينه كانت تتطلب اجتهادا منى ومغامرة من شخص اخر، وكان هذا الشخص هو السيدة فاتن حمامة، ورغم أن عمى كان أبوبكر خيرت لكننى كنت تائها فعلا. •ما هو الاختلاف بين عمر خيرت الآن وقبل 30 سنه؟ قبل 30 سنة كانت الفرحة مختلفة، البوم جديد انتظر نتيجته، انتظر فرحة النصر، وجاءت النتيجة مبهرة فى وقت لم يكن فيه انترنت أو موبايل، الآن هناك انترنت وتزوير البومات. •انت تتحدث عن الصناعة لكننى اتحدث عن ابداعك؟ الابداع لم يختلف، لكننى ازددت خبرة وتراكم مشاعر وتطور طبيعى كما يحدث لأى فنان، الفن قطعة منى وانا قطعة منه والخبرة تسير معى. •عمليا متى بدأت العمل الموسيقى؟ منذ كنت تلميذا بمدرسة الاورمان الحكومية، حيث كنت رئيس فريق الموسيقى، وكنت احصل على جوائز على مستوى الجمهورية والمناطق التعليمية، وهذا التفوق توجته بأننى كنت فى اول دفعة دخلت الكونسرفتوار عام 1959 ومن هنا بدأت العمل فى المجال الاكاديمى. •قلت إن مدرستك كانت حكومية، هذا معناه انه كان هناك اهتمام كبير وقتها بالموسيقى فى المدارس وهذا يطرح سؤال هل التراجع الحالى سببه عدم وجود حصة للموسيقى بالمدارس؟ التراجع الموسيقى هو انعكاس لما يحدث فى الشارع من سلوكيات وليس لعدم وجود حصة للموسيقى فقط، وتذكر أنه بعد ثورة 52، حدث تقدم هائل فى الموسيقى والغناء، لأن طموحات الناس كانت كبيرة بعدها وبعد 67 حدث انهيار كبير ايضا وهو ما نراه الآن. لأن الهزيمة وقتها اثرت على الحياة بصفة عامة بما فيها الفن. •إذن المرحلة التى نعيشها الآن تشبهها بمرحلة ما بعد ثورة 52؟ نعم الإخوان كانوا بمثابة المحتل كانوا استعمارا، لذلك انا قلت فى البداية إن الاحتفال الذى انا بصدده هو احتفال برجوع مصر، ولابد أن نشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى على ما فعله لعودة مصر الينا. وبالتالى اتصور أن هناك نهضة سوف تحدث فى كل شىء بما فيها الفن، فالوطن دائما يحتاج لزعيم يوقظ بداخلنا جميعا الهمم ويحركنا فى اتجاه العمل.. لذلك عندما يشبه البعض السيسى بعد الناصر فهذا امر طبيعى. وهنا لابد أن اقول على الفنان أن يكافح ايضا، انا كافحت حتى اظل موجودا حتى هذا الوقت واعمالى وحفلاتى شاهدة على ذلك وهذه نعمة من الله منحها لى. •30 عاما من الابداع ما الامر الذى لم يقدمه عمر خيرت؟ الفنان بطبعه لا يتوقف حلمه عند مرحلة معينة، بل يواصل الحلم ليل نهار، طموحى لا سقف له. وكل يوم اشعر اننى مازلت فى البداية. •ما لا يعرفه الناس عنك أنك ايضا قمت باللعب على آلة الدرامز؟ هذا صحيح وكنت اعتبر هذه المرحلة نوعا من التمرد، لأن كل شىء فى حياتى وقتها كان يسير بشكل اكاديمى، ولذلك قررت التمرد، لأن الدرامز كان خارج عن الحياة الروتينية، فالموسيقى عبارة عن لحن وايقاع وهارمونى وهو علم التناغم بين الخطوط الموسيقية. لذلك حتى الدرامز افادنى عندما تحولت للتأليف الموسيقى. •عبد الوهاب كان محطة فى حياتك؟ هذا صحيح قمت بعمل البومين لأعماله الموسيقية، وعندما استمع للالبوم الاول قال إن اعز هدية قدمت لى فى عيد ميلادى هى البوم عمر خيرت، وبالمناسبة اعمال ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم افادتنى كثيرا فى مشوارى. •مشوارك ايضا كانت به محطات عالمية؟ الحمد لله هذا تحقق بالفعل من خلال حفلاتى فى اوروبا، ثم كانت هناك نقلة كبيرة وهى مشاركتى فى حفل تسليم رئاسة الاتحاد الأوروبى لفرنسا عام 2008، وكان قائد الفرقة فرنسيا والاوركسترا يضم عازفين من فرنسا وسلوفينيا، وحضر الحفل رؤساء دول ووزراء، والأهم من كل هذا هو رد الفعل فى الصحف والمجلات الاوروبية. •فى رأيك لماذا كان رد الفعل كبيرا ؟ لاننى اقدم موسيقاهم بطعم شرقى مختلف عما يقدمونه، وبمناسبة ردود الافعال كان هناك حفل اخر فى اسبانيا فى ميدان موسيا حضرة 10 آلاف شخص، وكان ضمن مهرجان لموسيقى الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلامية. •المحطة العربية؟ طبعا مهمة جدا لأننى وجدت الجمهور فى الخليج فعلا متذوقا للفنون، وهم هناك يريدون فعلا أن يكون الخليج محطة للفنون الرفيعة،لكن هذا لا يعنى أن مصر فقدت ريادتها بالعكس هم ينظرون لمصر نظرة خاصة جدا. •الاعمال الملحنة لك اقل من حيث الكم من الاعمال الموسيقية؟ هذا يرجع الى ميولى، الى جانب أن التأليف الموسيقى اصعب من التلحين كثيرا، عالم الموسيقى كبير ومن ضمنه الغناء، وليس العكس. الكلمة والغناء امور مباشرة لكن الموسيقى تحلق بك نحو الوجدان. كما اننى أواصل رسالة ابو بكر خيرت رائد الموسيقى الكلاسيكية فى مصر. •تقدم ثلاث حفلات متتالية فى الاوبرا الا يعد هذا ارهاقا ذهنيا وبدنيا؟ هذا صحيح لكننى لا اشعر بالتعب طالما انا موجود فوق المسرح، ربما اشعر به بعد انتهاء الحفل. لكنه ارهاق جميل ومحبب الى قلبى، وكلما اذهب الى المسرح اشعر وكأننى ذاهب الى فرح أو زواج. •لاحظت انك خلال حكم الاخوان قمت بزيادة حفلاتك فى الاوبرا؟ لسبب بسيط أن الناس كانت محبطة وكانت تريد الخروج من تلك الحالة، وكان لابد أن يكون لى دور فى هذا والحمد لله تحقق هذا، فكرة ضياع مصر كانت مسيطرة على الناس لدرجة الهوس، كلنا كنا نردد كيف ضاع البلد بهذه السهولة، والحمد لله الامور عادت كما يريد الشعب. •برنامج الحفل القادم هل سيضم برنامجا مختلفا نتيجة احتفالك بمرو 30 سنة؟ لابد أن تعى أن الجمهور هو الذى يضع برنامجى، واحيانا احاول وضع اعمال جديدة بدلا من مقطوعات اخرى واجد الناس تصرخ فى الصاله حتى اقدم الاعمال التى حذفتها من البرنامج. لكن الجديد الذى اقدمه كل حفل هو شىء مهم وهو طريقة العزف التى تختلف من حفل لآخر. •مشاعرك أو «مودك» هل من الممكن أن تؤثر عليك خلال اى حفل؟ فى احيان كثيرة صعدت على خشبة المسرح ولدى هموم ومشاكل أو احداث حزينة مثل رحيل والدى أو والدتى أو احد المقربين، ورغم ذلك لم يشعر الجمهور بهذا، عندما اقف على المسرح انسى نفسى وأنسى كل شىء. •رمضان على الابواب مع اى فنان نستمع الى موسيقاك هذا العام؟ مع الفنان الكبير يحيى الفخرانى فى مسلسل دهشة. وهو تناول لشكسبير فى قالب صعيدى، لذلك انا فى دهشة مستمرة حتى انجاز العمل. لانك تقدم عملا فى الاساس غربى بنكهة صعيدية، نجح عبد الرحيم كمال فى تقديمها، والأصعب بالنسبة لى أن الدراما فيه عالية جدا. نتيجة المواقف التى يتعرض لها بطل العمل. •تقوم بوضع الموسيقى التصويرية للمسلسلات على طريقة السينما، اى مشهد يعد ذلك ارهاقا؟ المسلسل يساوى 30 فيلما طبعا، ولكننى حريص على هذا، ولذلك انا اعيش داخل الاستوديو تقريبا. كيف تعود الشخصية المصرية كما كانت؟ الهموم والمشاكل هى التى اثرت على الشخصية المصرية الى حد كبير، وبالتالى علينا جميعا أن نساهم بخروج المواطن المصرى من تلك الدائرة، نساعده فى الشعور بالتفاؤل والهدف والرمز وهذه الامور موجودة، مصر الآن بخير، ولدينا الهدف وهو النهضة، ولدينا الرمز وهو المشير السيسى، واطالب كل زملائى الفنانين بزيادة جرعة البهجة فى اعمالهم. يكفى سنوات الاكتئاب منذ 2011 حتى رحيل الاخوان كانت سنوات صعبة، لأن الفن خلال السنوات الماضية كان للأسف يقدم ما يحدث فى الشارع، الافلام قتل وحرق ومطاوى ومخدرات، عشوائية فى كل شىء وعدم انضباط وعدم احترام للكبير، كلها سلوكيات يجب أن تحاربها بالفن والإبداع، بالمناسبة ظهور عدوية بعد 67 كان له مغزى كبير، لأنه اخرج الشحنة الموجودة داخل الناس، وهو الدور الذى يقوم به شعبان عبد الرحيم الآن.