نجاح المؤلف الموسيقى عمر خيرت لم يكن لمجرد أنه حقق نجاحات كبيرة فى عالم الموسيقى التصويرية أو تلحين بعض الأغانى التى تتضمنها بعض الأعمال الدرامية أو حتى المنتجة لألبوم غنائى، لكن عمر خيرت حقق ما هو أصعب وما عجز عنه 99٪ ممن يعملون معه فى الاتجاه نفسه، وهو النجاح الخيالى لحفلاته التى تقام بشكل شهرى بدار الأوبرا والتى وصلت إلى حفلتين شهرياً، وهو أمر يعد جديداً على الإنسان المصرى الذى ارتبط بحكم تكوينه بالأغنية أكثر من ارتباطه بالموسيقى البحتة، وهو الأمر الذى يعد مغامرة كبيرة قام بها فى الوقت الذى خشاها الكثيرون وأبرز من تخوفوا من ذلك هو الموسيقار الراحل الكبير عمار الشريعى عندما سألته فى أحد الحوارات لماذا لم تستكمل مشروعك بعمل حفلات لموسيقاك على المسرح الكبير بالأوبرا؟ فكان رده أخشى مواجهة الجمهور، فالمسرح يحتاج لفنان قلبه ميت، كهذا كان رد الشريعى صاحب البصمة الكبيرة فى عالم الموسيقى التصويرية، وعالم الأغنية المصرية والعربية، لذلك ما حدث من عمر خيرت قبل 20 عاماً عندما قرر أن يواجه الجماهير بتقديم أعماله على المسرح بمثابة مغامرة. موسيقى عمر خيرت بطبيعتها لها طابع وإحساس مختلفان عن الذى نره ونسمعه، فهو يجمع بين دفء الجملة الشرقية وأحاسيسها وعراقتها وبين فكر المدرسة الغربية فى منح الموسيقى كل الإمكانيات حتى تصل بشكل أفضل إلى الأذن، لذلك أمام موسيقاه أنت تعيش حلماً يدعمه «خيرت» بعزفه على البيانو وهو أحد عناصر نجاح حفلاته تواجده على المسرح، ملامح شخصية عمر خيرت الهادئة الواثقة من نفسها تظهر أيضاً بوضوح فى موسيقاه، مع عمر خيرت أنت أمام حالة مدهشة مكتملة الأركان. ألزمتنا الظروف التى تمر بها مصر أن نبدأ الحوار مع عمر خيرت من حيث تعيش مصر ومن حيث يعيش المواطن المصرى. سألته فى البداية عن الدستور؟ - قال: أعظم شىء أنجز خلال الفترة الماضية هو الدستور، وهذا الأمر أتصور أنه أسهم فى فضح كل من كانوا لا يريدون لمصر خيراً وترديدهم بأن خارطة الطريق لن تكتمل، لكن الحمد لله إحدى الخطوات المهمة فيها تم عبورها ولم يتبق سوى الاستفتاء وأدعو المصريين جميعاً إلى النزول حتى تكتمل الملحمة. وجود مادة فى الدستور تحمى حقوق الملكية الفكرية كيف استقبلته؟ - هذه المادة تحديداً أنا أول المستفيدين منها وتصب فى مصلحتى الشخصية ومصلحة كل مبدع تم الاعتداء على أعماله طوال السنوات الطويلة الماضية، وأتمنى أن تستكمل هذه المادة بقوانين رادعة حتى نودع جميعاً حالة الانفلات التى شهدتها صناعة الموسيقى فى مصر. معنى كلامك أنك تضررت كثيراً من القرصنة؟ - بالتأكيد لدرجة أننى من كثرة ما تعرضت له من سرقات فى الداخل والخارج وتحديداً فى تريكا كنت أرفض اتخاذ أى موقف قانونى لأن الإجراءات كانت طويلة وغير رادعة، الآن الموقف تغير. هل أنت مع إنشاء غرفة أو لجنة تضم الوزارات تتابع عمليات القرصنة وتتخذ خطوات عاجلة ومباشرة كما يحدث فى فرنسا؟ - بالتأكيد لأن السارق مهما كان عندما يجد أن العدالة سريعة وناجزة بالتأكيد سوف يفكر مليون مرة قبل ارتكاب الجرم. هل تعلم أن القوانين الأمريكية غرمت سيدة 960 ألف دولار لأنها حملت 24 أغنية من الإنترنت؟ - هذا شىء يؤكد أن العالم كله يسير فى اتجاه القضاء على القرصنة، وأتمنى أن تكون القوانين المصرية تسير فى الاتجاه نفسه. هل تابعت الزوبعة التى حدثت بعد إصدار قانون حق تنظيم التظاهر؟ - بالتأكيد وأنا حزين لردة فعل البعض، فهذا القانون نحن بحاجة ملحة إليه حتى تعود الحياة لطبيعتها، ولا أتصور أن هناك من يعترض عليه، وأعتبر أن الاحتجاج عليه أمر غير مفهوم لأن ما يحدث من الإخوان فى الشارع يتطلب مثل هذا القانون لأن ما يفعلونه أفكار أقل ما يطلق عليها أنها ثعبانية. هل أنت مع ترشيح الفريق أول السيسى للرئاسة؟ - أتمنى أن يفعل هذا، لأن الشعب فى حاجة إلى زعامة حقيقية تنتشلنا مما نحن فيه، وما فعله السيسى معنا يجعلنا نفتخر بوجوده بيننا، وأتصور أن الغرب يعى أن الشعب يريده بدليل أننى قرأت فى إحدى الصحف الإنجليزية أن الشعب المصرى يريد شخصاً محبوباً منه وهذه الميزة كما قالت الصحيفة لا تتوافر إلا فى السيسى. خلال إحدى حفلاتك فى تونس هتفوا له؟ - هذا صحيح هناك دول عربية تحسدنا على وجوده، وهذا دليل على شجاعته وانحيازه للشعب. كيف استقبلت ثورة 30 يونية؟ - بكل ترحاب لأن الشعب بهذه الثورة أعاد مصر بعد أن شعرنا بأنها ضاعت، وأتصور أن ما حدث بعد الثورة من مشاكل صنعها الإخوان أمر طبيعى وخروج المرض من الجسد يتطلب فترة. هل تضررت فنياً خلال وجود الإخوان؟ - بالتأكيد، ولكن أشعر بأننى توهجت لسبب أن الناس كانت تريد من يخفف عنهم وبالتالى زاد الإقبال على حفلاتى، وهذا شىء أسعدنى لأننى كنت بمثابة مهدئ فى وقت كان الشعب يغلى من هذا الحكم، الناس كانت تحتاج شحنة من الأمل، والفن فى أحيان كثيرة يزدهر وقت الأزمات. هل توقعت سقوط الإخوان سريعاً؟ - بصراحة لأ.. لكن تمنيت هذا، والحمد لله أن الجيش والشرطة والشعب مسلماً ومسيحياً كانوا فى خندق واحد، يعنى كان هناك إجماع وبالتالى سقطت خطة الإخوان فى بيع البلد. شهدت دار الأوبرا مظاهرات لأول مرة من أجل زيادة عدد حفلاتك؟ - طبعاً إقبال الناس أسعدنى، لكننى بصراحة ليس لدى الجهد الذى يجعلنى أقدم ثلاث حفلات متتالية فى الأوبرا، لذلك اكتفيت بحفلتين متتاليتين كل شهر، خاصة أننى أقدم أيضاً العدد نفسه بمكتبة الإسكندرية إلى جانب حفلات ساقية الصاوى. لكن بالتأكيد هناك فارق بين مسرح الأوبرا وساقية الصاوى؟ - أكيد حفلات الأوبرا لها تقاليدها، أما الساقية ففرصة الشباب أكثر لأن الملابس كاجوال وهناك مكان مخصص للحضور وقوفاً. بماذا تفسر عدم خوض أغلب الموسيقيين تجربة تقديم حفلات موسيقية؟ - أتمنى أن يخوض الجميع التجربة، ولا يتعجلوا النجاح لأننى وصلت إلى هذه المرحلة من النجاح بعد 20 سنة، وأنا بصراحة أخذت هذه التجربة من عمى أبوبكر خيرت، رائد الموسيقى السيمفونية فى مصر، وأعتب على البعض الانشغال بالأغنية على حساب الموسيقى رغم أن الأغنية مع احترامى لها جزء من الموسيقى وهذا ليس تقليلاً من شأنها. البعض يعتبرها مغامرة؟ - حياتنا كلها مغامرات، وما المانع أن يغامر كل منا حتى يصل إلى النجاح. تجاهل ذكرى أبوبكر خيرت كنت قد تحدثت عنها من قبل هل تحرك أحد بعد إثارتك لها؟ - أنا لم أعتب على المسئولين الحاليين لأن ذكرى رحيل أبوبكر خيرت مر عليها 50 سنة، إذن التجاهل ليس هذه الفترة، وأنا أتصور أنه يستحق أكثر من هذا لأنه أسس الكونسرفتوار وكان له فضل نشر الموسيقى السيمفونية وقام ببناء أكاديمية الفنون لكونه مهندساً أيضاً. لكن الدولة بصفة عامة عادة ما تتجاهل الرموز وآخرها الذكرى الأولى لعمار الشريعى التى مرت منذ أيام؟ - أولاً الرموز سوف يظل يذكرهم التاريخ لأنهم قدموا أعمالاً مهمة لمصر، وتاريخهم سوف يتحدث عنهم، لكن كما قلت أتمنى أن يكون هناك تعامل مختلف خلال السنوات المقبلة. رحيل الشاعر أحمد فؤاد نجم قبل مرور عام على رحيل عمار هل يشعرك بقلق تجاه الإبداع المصرى؟ - مصر ولّادة، لكن شخصيات بحجم عمار أو نجم صعب تكرارها، وأتصور أن أعمال عمار سوف تظل موجودة مثل عبدالوهاب والسنباطى وفريد الأطرش. كيف ترى غزو أغانى المهرجانات «الميكروباص»؟ - أراه إفلاساً ورغبة من بعض المنتجين فى الربح السريع، لكنها فى النهاية تزيد من مساحة القبح، وللأسف بدلاً من أن ننمى روح الجمال لدى الشباب نعطيهم جرعات من الهلس، لكن فى كل الأحوال هذه الأعمال لا تعيش، ظاهرة وتنتهى، لكن أحياناً الممنوع مرغوب كما يحدث فى زيادة العرى والجنس فى أفلامنا. ما الجديد لديك؟ - بدأت قراءة سيناريو مسلسل الفنان يحيى الفخرانى الجديد والمخرج شادى الفخرانى «دهشة». هذا معناه أن «الفخرانى» سيكون الوحيد الذى يحظى بموسيقاك فى رمضان المقبل لأنك لا تقدم سوى مسلسل واحد فى العام؟ - هذا صحيح «اللى سبق أكل النبق». والسينما كيف تراها؟ - بعافية شوية. وماذا عن الحفلات الخارجية؟ - هناك حفل فى دبى خلال يناير إن شاء الله. إلى أى مرحلة وصلت فى ألبومك الموسيقى القادم الذى يأتى بعد غياب 7 سنوات؟ - أنت تعلم أن الموسيقى تحتاج إلى مجهود عند تسجيلها، خاصة أن هناك أعمالاً تتطلب إعادة صياغة موسيقية، عند تحويلها من موسيقى موظفة للدراما إلى مقطوعة موسيقية، وأهم الأعمال التى يضمها الألبوم القادم «الجماعة» و«أولاد العم» و«الخواجة عبدالقادر» و«الجزيرة» و«الداعية»، ومن خارج الدراما «فيها حاجة حلوة» و«المصرى».