السر الذي لا يعلمه الكثيرون أن اختيار الموسيقار الكبير والمبدع العظيم عمر خيرت للتكريم في الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لم يكن وليد اليوم والليلة، بل كان نتاج تفكير دائم في كل مرة يجتمع فيها المكتب الفني للمهرجان منذ عهد شريف الشوباشي، لاختيار المكرمين، لكن ظروف قسرية كانت تؤجل اختياره إلي أن جاءه التكريم مهرولا في دورة هذا العام؛ فالواقع أن المهرجان هو الذي شرف باختيار هذا الاسم المحترم لمبدع كبير صاحب شخصية رصينة وتواضع أكبر. عمر خيرت لم يفارقه هذا التواضع وهو يتحدث عن مشاعره عقب تكريمه فقال: أشعر بالفخر والاعتزاز بهذا التكريم، لأنه جاء من مهرجان يحمل صفة الدولية، وبلغ الثلاثين من العمر، وأمر طيب أن تتذكرني إدارة المهرجان، وعلي رأسها رئيسه د. عزت أبو عوف، فالتكريم لم يكن لشخصي، فقط بل للفن والسينما والموسيقي، وأكثر شيء أثر في نفسي أن التكريم جاءني، وزملائي، ونحن علي قيد الحياة. كيف أبلغت بقرار تكريمك؟ اتصل بي الفنان عزت أبو عوف رئيس المهرجان، وأبلغني أنني اخترت من بين المكرمين في الدورة الثلاثين، وبعدها أرسلت لي إدارة المهرجان خطابا بذلك المضمون، ولحظتها أيقنت أن المهرجان عزف لي ولزملائي لحن الوفاء. هل وجدت اختلافات جوهرية بين المهرجان الآن وما كان عليه حين قدمت لحفل افتتاحه لحنك الشهير "100 سنة سينما" في عهد الأستاذ سعد الدين وهبة؟ الاختلاف واضح؛ سواء في الشكل أو في المضمون؛ فاستقدام الضيوف الأجانب بات يمثل مساحة كبيرة من اهتمام المهرجان؛ خصوصا بعدما اكتسب الصفة الدولية، وأصبحنا نري نجمات ونجوم العالم المشاهير بيننا في القاهرة، وعلي أرض مصر، ولم تنفصل إدارة المهرجان عن المتغيرات التي اجتاحت العالم وشرعت في إضافة أقسام جديدة مثل مسابقة أفلام "الديجيتال"، وبذلت قصاري جهدها لاختيار أفلام مصرية وأجنبية علي مستوي الحدث، وأتصور أن عزت أبو عوف كانت له بصمة واضحة في هذه الدورة، ابتداء من تغيير شعار المهرجان، ومحاولة التركيز علي مفتاح الحياة، وانتهاء بنجوم العالم الذين لبوا دعوة المهرجان. هل جاء التكريم متوافقا مع ما حققته من إنجاز أم تأخر بعض الشيء؟ جاء في توقيته تماما؛ فقد أنجزت الكثير، وعلي مستوي السينما التي كرمت في مهرجانها قدمت الموسيقي التصويرية لما يقرب من خمسين فيلما بدأتها ب "ليلة القبض علي فاطمة" عام 1984 وآخرها موسيقي فيلم "مفيش غير كده"، الذي قامت ببطولته نبيلة عبيد وشارك في المسابقة الدولية للمهرجان؛ فعلي مدار 25 عاما حققت ما كنت أحلم به عبر أفلام كبيرة قام ببطولتها نجوم عظام من مختلف الأجيال ولاقت نجاحا مشهودا، لأنها كانت تتبني هدفا ومضمونا ورسالة. بمناسبة الأجيال.. كيف تري السينما التي اصطلح علي تسميتها ب "السينما الشبابية"؟ هناك أفلام أراها رائعة مثل "مافيا"، الذي أخرجه المبدع شريف عرفة ووضعت له الموسيقي التصويرية، بالإضافة إلي "سهر الليالي" و"منتهي اللذة" و"يعقوبيان"؛ فهي أفلام جديدة وتحمل مضمونا إلي جانب أنها تتميز بضخ دماء شابة في شرايين الحركة السينمائية، سواء في التمثيل أو الكتاب أو المخرجين وهذا ما تحتاجه السينما المصرية لكي تصبح شابة بالفعل. هل وضعت الموسيقي التصويرية لفيلم "مفيش غير كده"، لأن عملك يقتضي هذا أم لابد أن يعجبك الفيلم قبل أن تضع موسيقاه التصويرية؟ يكفيني دليل علي حسن اختياري أن الفيلم اختير ليمثل مصر في المسابقة الدولية للمهرجان، ورأيي فيه أنه عالي المستوي ويحمل بداخله رسالة تعمد مخرجه أن يضع لها إطارا موسيقيا غنائيا في عودة لنوعية الأفلام الغنائية التي كادت تندثر من السينما المصرية؛ ففي الفيلم ما يقرب من 17 أغنية قدمت نبيلة الغالبية منها، بعدما تم تدريبها بشكل مكثف لكي تتقن الغناء علي يد دكتورة جيهان الناصر وتحت إشرافي، وتمت جميع التسجيلات في الاستوديو الخاص بي. كثيرون يجهلون القواعد المتبعة في وضع الموسيقي التصويرية للأعمال الفنية، خصوصا السينمائية؟ أول خطوة أن يتعرف الفنان المكلف بوضع الموسيقي التصويرية علي العمل الفني، الذي هو بصدده، والأجواء العامة للأحداث، بالإضافة إلي أبطاله للتعرف علي سماتهم النفسية والشخصية، وبعدها تبدأ مرحلة إبداع موسيقي تتواءم مع هذه الأجواء، وتدخل في نسيجها ولا تتناقض معها، وفي جميع الأحوال هناك جلسات عمل بين المبدع واضع الموسيقي التصويرية ومخرج الفيلم يتم الاتفاق خلالها علي كل التفاصيل التي تسهم في بلورة العمل؛ لأن الموسيقي التصويرية عنصر مهم ورئيسي في العمل وليست ثانوية أو هامشية، كما يظن الكثيرون خطآ. وفي الكثير من الأحيان تكون الموسيقي التصويرية سببا في نجاح العمل الفني. ما شعورك وأنت تري لافتة "كامل العدد" وهي تصاحب كل حفلاتك في الأوبرا؟ أطمئن فورا علي أن هناك جمهورا متذوقا، وأن هناك مستمعا راقيا يدرك الجيد من الرديء ويسعي إلي الفن المحترم، ويبحث عن المكان الذي يقدمه، وأكثر ما يطربني أن الشباب هو الذي يمثل الشريحة الأعظم من جمهور حفلاتي، بالإضافة إلي وجود الجمهور الذي اصطلح علي تسميته ب "السميعة"، ومن خلال هاتين الشريحتين من المستمعين أشعر أن موجة الأغاني الهابطة التي اجتاحت الأسواق والساحات والبيوت بفعل الفضائيات لم تنجح في تخريب ذوق المستمع وآذانه.