ارتبطت قوة العربان منذ وطئت القبائل العربية أرض مصر بضعف الدولة. تزيد شوكتهم كلما استشعروا وهن الحكومة, وتنكسر اذا كشر الحكام عن انيابهم. وتكشف الدراسات التي قام بها علماء الحملة الفرنسية عن العربان في صحراوات وريف مصر عن طبيعتهم في الابتزاز واللصوصية والاعتداء علي الفلاحين وسلب أراضيهم وقطع الطرق وممارسة القتل.. إلخ. ويستغل العربان معرفتهم بالطرق والمدقات ومخارج الوديان واتجاهات الاخوار والمياه في تقديم خدماتهم أو منعها عن الفرق العسكرية اثناء توغلهم في الجبال. وكان في مقدورهم علي الدوام تضليل هذه الفرق وتسليمها إلي العطش والهلاك. وقد انحاز الكثير منهم الي المماليك ثم الي الفرنسيين من أجل الحصول علي المال. وعندما غادرت الحملة الفرنسية مصر كان بها نحو مائة ألف من العربان منهم 20 ألفا من المقاتلين الفرسان يؤلفون حوالي ستين قبيلة. وبعد تولي محمد علي حكم مصر زادوا في اعتداءاتهم علي الفلاحين والأهالي وتمادوا في اعمال قطع الطرق والسلب والنهب استغلالا لحالة عدم الاستقرار, ولم يجد محمد علي بدًّا من مهادنتهم فعقد معهم اتفاقات سرعان ما نقضوها فأخذهم بالقوة إلي أن أذعنوا لسلطة الدولة وطلبوا الصلح ووافق محمد علي واشترط عليهم اقامة زعماء القبائل في القاهرة كرهائن يضمن بهم طاعتهم وولاء قبائلهم وأجرى عليهم الرواتب وأقطعهم أراضي شاسعة معفاة من الضرائب. كوسيلة لتحضيرهم وإدماجهم في المجتمع المصرى, واستفاد بهم في حروب السودان والحجاز وسورية والأناضول. وبعد اكثر من مائتي عام عاد العربان إلي سيرتهم الأولي، حيث انتهزوا ضعف الدولة وإنشغالها او غيابها بعد ثورة يناير واستولوا علي الكثير من الأراضي وزرعوا آلاف الفدادين بالخشخاش وقطعوا الطرق ومارسوا السلب والنهب فضلا عن أعمال التهريب. وقد استرعي انتباهي خلال الأسبوع الحالي خبران يكرسان لدولة العربان ويكشف عن عجز الحكومة عن بسط نفوذها علي الأطراف المترامية علي حدود مصر. الخبر الاول يتعلق باستعانة وزارة الكهرباء بالعربان لحراسة أبراج الكهرباء وحمايتها من الإخوان مقابل ثلاثه آلاف جنيه للاعرابي الواحد تستطيع ان تسميها مرتبا أو فرضة أو اتاوة. والخبر الثاني يفيد باتفاق المخابرات الحربية مع عربان «الضبعة» بتسليم أرض محطة الضبعة النووية للجيش مقابل تعويضهم عنها (رغم أن الأرض ملك الدولة!!) ومنحهم أولوية في تولي أعمال الحراسة.. يا نهار أسود المحطة النووية في حماية البدو وحراستهم. واذا كانت الدولة تستعين بالعربان في أعمال الحراسة والتأمين فليس من المستغرب ان يستعين بهم الافراد العاديون اتقاء لشرهم وحماية لممتلكاتهم. فقد روى صديق لي كان يشغل منصب وكيل وزارة بقطاع البترول ويرأس احدى القرى السياحية بمنطقة رأس سدر كيف أن العربان هناك حاولوا ادعاء ملكيتهم للأرض المخصصة من المحافظة وفرض اتاوة لحماية معدات ومواد البناء ولجأ الي جهاز أمن الدولة وامتنعوا عن الاقتراب من القرية. وبعد ثورة يناير واكتمال منشآت القرية فوجئ بالعربان يتجرأون ويعاودون تهديداتهم وبثقة أكبر عن ذى قبل ولم يجد مفرا من الخضوع لابتزازهم وتم الاتفاق معهم بعد مفاوضات شاقة علي دفع اتاوة قدرها 300 ألف جنيه تم تحصيلها من مالكي الوحدات صاغرين. ولما وجدني مشدوها غير مصدق اعطاني صورة ضوئية من الاتفاق ممهورة بتوقيع ستة من العربان وجاء في الاقرار: «وبناء علي ما تقدم فإننا نقر بعدم تعرضنا بأى شكل من أشكال التعرض المادى أو القانوني لأى جزء من القرية المذكورة عاليه. كما اننا في ذات الوقت ضامنون لعدم تعرض الغير أيا كان نوع التعرض سواء كان ماديا او قانونيا وذلك لتسليمنا الكامل بملكية الجمعية عاليه وأعضائها لأرض ومباني القرية بكاملها». وعندما سألته عن عدم لجوئه الي جهاز الأمن الوطني أسوة بما سبق أجابني بإبتسامة لا تخلو من سخرية بأن ضباط الأمن الوطني يمتلكون قرية مجاورة ودفعوا نفس الاتاوة!! أستطيع ان أتفهم واستوعب طبيعة المرحلة وظروفها التي تتطلب فيها الحرب ضد الإخوان والإرهاب مهادنة العربان واحتواءهم وعدم فتح جبهات جديدة للصراع خاصة انهم يمتلكون مفاتيح الدروب والكهوف ومدقات الصحراء علي امتداد الحدود المصرية فقد فعلها من قبل محمد علي لفترة مؤقتة ومحدودة.. ولكن أخشي ما أخشاه ان ننجح في القضاء إرهاب الإخوان ثم نصحو يوما علي دولة العربان تناوئ الدولة المصرية وحكومتها وتنتقص من هيبتها ونصير مثل الذى هرب من المطر فجلس تحت المزراب.. أتخوف من ان تستسهل الحكومة الأمر وتتنازل عن سلطاتها وسلطانها (بالنون) للعربان مقابل توفير الأمن.. يجب علي الحكومة وهي بصدد التنمية الشاملة الا تقع في أخطاء مبارك ومن سبقه وتهتم بتغيير التركيبة السكانية في المناطق التي تزيد فيها سطوة العربان لأن إعادة توزيع السكان يضمن استفادة جميع المواطنين من عوائد التنمية وإدماج العربان في المجتمع المصرى وإخضاعهم للقانون فلا نرى قضاء عرفيا موازيا لمؤسسة القضاء ويظل الأمن مسئولية الدولة غير قابل للتوكيل أو التفويض.