سنوياً ومع الاعلان عن جوائز الدولة، يعلن بعض المشاركين أو المرشحين عدم رضاهم، وهو أمر متوقع لأن عدد المرشحين والمشاركين يكون كبيراً، وهناك جائزة واحدة فقط في كل فرع، كذلك فان المشاركين والمرشحين جميعاً، هم من القامات العلمية والفكرية، ومن المنطقي ان يري كل واحد منهم نفسه الأحق بالجائزة والأجدر، لكن ما حدث هذا العام في جائزة الدولة التشجيعية في الآثار، والتي كانت مخصصة للآثار القبطية، امر مثير للدهشة، حيث تم الاعلان عن فوز أحد المتقدمين بالجائزة، ثم سرعان ما أوقفت النتيجة، لما قيل أنه مخالفات قانونية شابتها، ثم تم الاعلان عن حجب الجائزة، وهو ما اثار حفيظة الدكتور أحمد عيسي احمد استاذ الآثار الاسلامية والقبطية بكلية الآثار بجامعة جنوبالوادي، واحد ثلاثة تقدموا لنيل هذه الجائزة، والذي نستوضح منه المشكلة واسبابها ونتعرف علي مطالبه في هذا الحوار: سألت الدكتور أحمد عيسي ما مشكلة جائزة الدولة التشجيعية في الآثار حسب رؤيتكم؟ - أولاً: أحب أن اؤكد ان حديثي عن الأخطاء التي شابت عمل لجنة الآثار بالمجلس الاعلي للثقافة خلال تحكيمها للجائزة، لا يعني انني اطالب بالجائزة لنفسي، وإنما الهدف الأساسي هو بيان اوجه القصور، وما وقعت فيه اللجنة من أخطاء حرصا علي الشفافية من جهة، وعلي الدقة العلمية من جهة ثانية، أما بالنسبة لما حدث، فقد تقدمت للحصول علي جائزة الدولة التشجيعية في الآثار، حيث قرر أن تخصص الجائزة هذا العام للآثار القبطية لأنني مختص في الآثار القبطية من خلال رسالتي الماجستير والدكتوراه، وعدد من المؤلفات والبحوث التي تلتهما، لذلك فقد تقدمت للجائزة بثلاثة أعمال: كتاب وبحثين، في ذات التخصص العلمي الذي أعلن عن تخصيص الجائزة له هذا العام. إذن ما هو الإشكال في حجب الجائزة؟ - المشكلة ليست في حجب الجائزة من حيث المبدأ، فالحجب مشكلة تالية سنتحدث عنها فيما بعد، وانما المشكلة الاولي هي ان لجنة الآثار، قدمت اسماً غير المختصين لنيل الجائزة وهو من غير المتخصصين في الآثار القبطية، وعندما تم الاعتراض علي عدم تخصص الفائز بالجائزة، وحتي لا ينكشف انحياز اللجنة، تم حجب الجائزة بشكل كامل، فالحجب لم يكن القرار الأصلي، وإنما هو مجرد علاج لخطأ لجنة الآثار تم اللجوء إليه «للطرمخة» علي هذا الخطأ، لكن اللجنة أعلنت سبب الحجب وهو ان الأعمال التي قدمت لا ترقي الي الفوز بالجائزة.. فما ردكم؟ - لن أدافع عن الاعمال المقدمة مني، رغم انني حاصل علي الماجستير والدكتوراه وجميع بحوثي ومؤلفاتي حتي وصلت الي درجة الاستاذية جميعها في الآثار القبطية، ولن أدافع ايضا عن بحوث الزميل الآخر الذي تقدم للجائزة وهو متخصص ايضا في الآثار القبطية، لكني اريد ان اسأل اللجنة، هل الاعمال المختصة لا ترقي للجائزة، واعمل استاذا مختصا بالآثار المصرية القديمة هي التي ترقي لنيل جائزة مخصصة للآثار القبطية؟ وأليس من المخالفات المخزية والداة علي التواطؤ والهوي، ان تقبل من الاساس اعمالا لا عقلاة لها بالآثار القبطية لجائزة مخصصة لها؟ ودعوين أسأل لجنة الآثار ايضا.. هل عصر «الرعامسة»، من العصور القبطية او الاسلامية، حتي يفوز عمل يتناول هذا العصر بجائزة الآثار القبطية؟، ان ما حدث من اللجنة دليل دامغ ليس فقط علي عدم تخصصها فيما تصدت له، ومن لجأت اليه من محكمين، وانما ايضا علي رغبة اعضائها في منح الجائزة لمن لا يستحقها، بدليل تجاهلهم للقواعد القانونية عند قبول الأوراق، وللقواعد العلمية عند اعلان النتيجة. لكن اللجنة قالت ان اعمالكم اختلطت فيها الآثار الاسلامية بالقبطية وبالتالي فهي لا ترقي للفوز بالجائزة.. فما ردكم؟ - ما قالته اللجنة بهذا الصدد أيضا دليل علي عدم تخصصها، أو فهمها في هذا العلم، ودليل ايضا علي ان ما لجأت اليهم من محكمين - ان كانت قد فعلت - فهم ايضا ليسوا متخصصين، وتقديري انهم فعلوا ذلك لنيتهم المبيتة لمنح الجائزة لمن منحوها له قبل الحجب، بغض النظر عن التقيمي العلمي السليم، وتفنيدا لهذه الحجة الواهية فانني اسألهم اولاً عن اسباب دراسة الآثار القبطية في اقسام الآثار الاسلامية بكليات الآثار، واقسامها بكليات الآداب في جميع جامعات مصر، ولماذا يضم الآثار الاسلامية والقبطية قطاع واحد في هيئة الآثار من قبل والمجلس الأعلي للآثار حالياً؟ ربما كان هذا امراً شكلياً، فهل من أسباب علمية لاحتواء اعمالكم للآثار الاسلامية بجانب القبطية؟ - بكل تأكيد فإن الاسباب العلمية هي الأهم والافضل، والاكثر قوة في مواجهة ما قيل من اسباب واهية وسخيفة لحرماني وأستاذاً آخر من نيل جائزة عن اعمال في صلب تخصصهم، ومنحها لغير المتخصص، فقد عرف المصريون المسيحية منذ نحو ألفي عام منها ستة قرون تحت حكم الرومان وأربعة عشر قرنا بعد الفتح الاسلامي، وقد عاني المسيحيون المصريون من الاضطهاد لمدة تزيد علي ثلاثة قرون خلال الحكم الروماني الي جاء الامبراطور قسطنطين، وسمح بحيرة العقيدة للمسيحيين، الذين بدأوا منذ هذا التاريخ في اعلان دينهم وبناء كنائسهم، اي ان الفترة التي انتجت فيها آثار معمارية مسيحية تبدأ من منتصف القرن الرابع الي منتصف القرن السابع، اي حتي الفتح الاسلامي مصر. ربما كان المقصود هو قصر الدراسات والأعمال المقدمة لنيل الجائزة علي هذه العمائر التي انتجت خلال القرون الثلاثة التي تتحدث عنها؟ - لا اتمني أن يكون هذا مقصوده، لأنه سيكون دليلاً علي عدم القراءة او الالمام بأية معلومات عن الآثار القبطية، وليس فقط عدم التخصص، لأن هذه الآثار هدمت أو اعيد بناؤها بشكل كلي، ولم يبق لدينا من الآثار القبطية التي انشئت قبل الفتح الاسلامي إلا أربعة آثار فقط، وبقية ما لدينا من هذه الفترة ليس إلا بقايا لآثار تم العثور عليها من خلال أعمال الحفائر، وبالتالي فان بقية الآثار القبطية الموجودة الآن، اما أنه اعيد بناؤها بشكل كامل بعد الفتح الاسلامي، أو أنها انشئت من الأساس في هذا العصر، ولعل من أهم واشهر هذه العمائر الاثرية القبطية التي تعود الي العصر الاسلامي، اديرة وادي النطرون، ودير المحرق بأسيوط، وكنائس مصر القديمة، ومعظم الكنائس الأثرية بمحافظات مصر المختلفة. لذا فإننا لا نكون مبالغين إذا قلنا ان 90٪ من الآثار القبطية الباقية تعود الي العصر الاسلامي، ومن ثم فلا يمكن دراستها بمعزل عن الآثار الاسلامية المعاصرة لها، واظهار مدي العلاقات بين الأقباط والمسلمين وما نتج عن ذلك من آثار قبطية، تشير الي وحدة الشعب المصري بمسلميه وأقباطه بأدلة أثرية لا تقبل الشك. وتستطيع اللجنة ان ارادت الدقة العلمية، وغلبت الموضوعية علي الانحياز والأهواء، ان تعود الي عدد ضخم من رسائل الماجستير والدكتوراه، بكليات الآثار واقسامه بمختلف جامعات مصر، والتي تناولت العمائر الاثرية القبطية، لتكتشف هذا التلازم، الذي لا يمكن أن يكون نقطة ضعف في الأعمال العلمية، او مطعنا يجعلها لا ترتقي لنيل الجائزة. أخيراً بماذا تطالب بالتحديد؟ - من كل ما تقدم يتضح مدي ما شاب جائزة الدولة التشجيعية في الآثار من مخالفات واضحة، وهي أخطاء تحتاج الي تصحيح، وما اطلبه هو اعادة الأمر الي نصابه حفاظا علي قيمة الجائزة ومكانتها ومكانة القائمين عليها من الرسميين والعلماء والمفكرين والمبدعين المصريين في الوطن وخارجه، كما اطالب بالشفافية والاعلان عن المتقدمين للجوائز وتخصصاتهم، وتقارير اللجان العلمية والمحكمين، بدلاً من أن تترك الأمور للأهواء والعلاقات الشخصية، حتي اذا ما اكتشفت المخالفة، يتم حجب الجائزة كما حدث.