«الأكثر حظا هو الأكثر شهرة فى الحصول على جوائز الدولة» مقولة أكدها لنا قبل إعلان الجوائز الدكتور جابر عصفور. وبعيدا عن مقولة د.جابر عصفور والتى توضح حال التصويت الحقيقى داخل المجلس الأعلى للثقافة، نجد أن جدل هذا العام له أكثر من مظهر، الأول ثار حول منح الجائزة التقديرية فى العلوم الاجتماعية لسيد القمنى المتهم بتزوير شهادة الدكتوراه الخاصة به، فضلا عن آرائه المثيرة للجدل بطبيعتها، ما جعل البعض يطرح سؤالا: هل جوائز الدولة لابد أن تراعى الأبعاد الاجتماعية والدينية والسياسية للمجتمع المصرى الذى يرفض أفكارا مثل التى يقولها القمنى أم لا؟. والذين يطرحون ذلك السؤال يعتمدون على المادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 1958 الخاص بإنشاء جوائز الدولة، والتى تقول: «يشترط فيمن يمنح الجائزة التقديرية أن تكون له مؤلفات أو أعمال أو بحوث سبق نشرها أو عرضها أو تنفيذها وأن يكون لهذا الإنتاج قيمة علمية أو فنية ممتازة تظهر فيه دقة البحث والابتكار وأن يضيف إلى العلوم أو الفن شيئا جديدا ينفع الوطن خاصة والإنسانية عامة». المظهر الثانى للجدل ما يشاع حول آلية الترشيح والتصويت، وتأكيد البعض أن وزير الثقافة فاروق حسنى له دور قوى فى منح أو منع جوائز الدولة، رغم أن القانون الخاص بجوائز الدولة للإنتاج الفكرى ولتشجيع العلوم والعلوم الاجتماعية والفنون والآداب ولائحته التنفيذية ينفى ذلك التأكيد، لأنه يعتبر وزير الثقافة صوتا من ضمن أصوات بقية أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، ولا يقدر حسب القانون أن يمارس أو يضغط أو يغير شيئا من إرادة أعضاء المجلس الأعلى للثقافة. وهذا كلام نظرى، أما الواقع الفعلى لمنح جوائز الدولة فيختلف عن الخيالات النظرية. (عقدة القصة) نأتى إلى عقدة القصة أو حبكتها، ونعى بها الجهات التى من حقها التصويت، سنلاحظ أولا أن 29 صوتا هى فى يد جهات حكومية، ما يعنى ضمنا أن تلك الجهات بشكل أو بأخر ستقرأ اتجاه «رياح» الوزير وتنساق وراءها. فليس هناك ما يدعوها لمعارضة الوزير، بل يصل الأمر (كما سيأتى بيانه) إلى أن ممثلين لتلك الجهات لا يعرفون شيئا عن عطاء أو مكانة المرشح!!، وتلك الجهات هى: وزير الثقافة وزير السياحة أو من ينيبه وزير التربية والتعليم أو من ينيبه وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى أو من ينيبه أمين عام المجلس الأعلى للثقافة ممثل وزارة الخارجية ممثل وزارة التخطيط والتنمية المحلية ممثل المجلس الأعلى للجامعات رئيس مجلس الأمناء باتحاد الإذاعة والتليفزيون رئيس المجلس القومى للشباب رئيس اتحاد الكتاب أو من ينيبه نقيب الفنانين التشكيليين أو من ينيبه نقيب المهن التمثيلية أو من ينيبه نقيب المهن السينمائية أو من ينيبه نقيب المهن الموسيقية أو من ينيبه رئيس أكاديمية الفنون رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمركز الثقافى القومى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار رئيس قطاع الإنتاج الثقافى رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية رئيس قطاع الفنون التشكيلية رئيس المركز القومى للسينما رئيس المركز القومى لثقافة الطفل رئيس المركز القومى للمسرح رئيس الإدارة المركزية للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية رئيس البيت الفنى للمسرح بقى فى مشكلات الجوائز مشكلة لا تقل أهمية عن مشكلة التصويت ونعنى بها الجهات صاحبة الحق فى الترشيح، وهى: مجالس إدارات الاتحادات الفنية والثقافية واتحاد الكتاب، ومجالس الجامعات المصرية الحكومية المعترف بها من المجلس الأعلى للجامعات فضلا عن مجلس جامعة الأزهر، ومجلس أكاديمية الفنون، والجمعيات الثقافية والعلمية والفنية. ولتوضيح الصورة نذكر هنا أسماء بعض جهات الترشيح مثل: «أتيليه الإسكندرية، وأتيليه القاهرة، ونادى القصة، ومجمع اللغة العربية، والمجمع العلمى المصرى، وجمعية الأدباء، وجمعية محبى الفنون الجميلة، ونقابة المهن التمثيلية، ونقابة المهن السينمائية، وجمعية المهندسين، وجمعية المعماريين، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، والجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، والجمعية المصرية للقانون الدولى، والجمعية المصرية للدراسات النفسية، والجمعية الجغرافية المصرية، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية. وعن ذلك يقول الكاتب محمود الوردانى إن الترشيح لجوائز الدولة يمثل خللا فى منح الجائزة، طارحا تساؤلا: إذا لم ترشح تلك الجهات كاتبا متميزا فماذا يفعل؟، فأجاب: لا يستطيع التقدم لجائزة مبارك أو جائزة الدولة التقديرية، وبذلك نفقد فرصة إعطاء الجوائز لأحد الكتاب المتميزين لمجرد أن جهات الترشيح لم تقدم اسمه!!». واتفق مع رأى الوردانى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى عضو المجلس الأعلى للثقافة مؤكدا أنه عبر عن دهشته فى أحد اجتماعات المجلس منذ عامين لخلو الأسماء المرشحة لنيل جوائز الدولة من أسماء فرضت نفسها على الجميع بما قدمته فى السنوات الأخيرة من إنتاج مرموق ومنها على سبيل المثال الروائى علاء الأسوانى. مشيرا فى مقاله بجريدة الأهرام إلى أن علاء الأسوانى لم يكن مرشحا لأى جائزة من جوائز الدولة رغم وجود أربع جوائز مختلفة مخصصة للتشجيع والتقدير والتكريم، كما أن المؤسسات التى يحق لها الترشيح تعد بالعشرات جامعات ومجامع علمية واتحادات ونقابات أدبية وفنية لم يخطر لأى منها أن ترشح هذا الكاتب الذى لا يستطيع أحد أن يزعم أنه لا يعرفه، ولا يستطيع أحد أن يزعم أنه لا يستحق أن يجاز. وأشار وقتها إلى أن علاء الأسوانى هو الكاتب المصرى الوحيد الذى ينافس فى شهرته نجيب محفوظ. وأضاف عبدالمعطى: والقضية التى أثرتها فى المجلس الأعلى للثقافة وأواصل إثارتها ليست قضية علاء الأسوانى الذى أعتقد أن الجوائز لا تشغله كما تشغله الكتابة، وإنما القضية الآن هى هذه الهيئات والمؤسسات التى كان ينتظر أن تساعد المجلس الأعلى للثقافة فى أداء رسالته فصار بعضها عبئا عليه وحجر عثرة فى طريقه. ولتوضيح المأساة التى ترسمها تلك الهيئات يكمل عبدالمعطى حجازى: «أن جهات الترشيح التى سمح لها المجلس بأن ترشح له من تراهم يستحقون الجوائز ليختار هو من بينهم من يراه أجدر بالفوز. والترشيح يعنى التنقية والتصفية والامتحان الذى يسمح لمن يستحق بالمرور ويوقف من لا يستحق ويمنعه، فإذا حدث العكس وأصبحت المصفاة حاجزا أمام المستحقين سهلة الاختراق أمام الأدعياء الذين يستطيع بعضهم أن يخترق حاجز التصويت كما اخترق حاجز الترشيح فقدت جوائز الدولة ثقة الناس فيها مثلها مثل الشهادة الدراسية التى تعطى لمن اشترى الأسئلة والأجوبة قبل أن يدخل الامتحان». (ساحة الصر اع) أما الصراع الحقيقى فى القصة فهم أعضاء المجلس الأعلى للثقافة الذى يتألف من 61 عضوا، وهم على فئتين: أعضاء لمناصبهم (29 عضوا) وقد سبق ذكرهم وأعضاء لأشخاصهم (32 عضوا). وأترك القارئ يتأمل تشكيل المجلس الذى نعرضه فى السطور التالية، وهو يتكون من: أحمد عبد المعطى حجازى أحمد عمر هاشم آدم حنين إدوار الخراط أنيس منصور جاب الله على جاب الله جابر عصفور جمال الغيطانى خيرى شلبى رتيبة الحفنى سلامة أحمد سلامة السيد ياسين صلاح عيسى عائشة راتب عبد الرءوف الريدى عبد السلام عبد الغفار علىّ الدين هلال على رضوان فوزى فهمى ليلى تكلا إسماعيل سراج الدين بهاء طاهر طه حسين محمد نور فرحات صبرى الشبراوى مراد وهبة مصطفى سويف مصطفى العبادى مصطفى الفقى مكرم محمد أحمد ميلاد حنا. تبدأ المشكلة عند بدء عملية التصويت التى لا تشترط حضور كل الأعضاء (61 عضوا) لأنها تصبح صحيحة وقانونية فى حضور (ثلاثة أرباع) عدد الأعضاء، ووضعت اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء جوائز الدولة طريقة إجراء التصويت، حيث يجرى التصويت السرى على منح جوائز الدولة لكل فرع (أربع مرات) وذلك على النحو التالى: يجرى التصويت فى المرة الأولى بين جميع المرشحين لنيل الجوائز المخصصة للفرع ويفوز الحاصل على ثلثى الأصوات الصحيحة للحاضرين. يجرى التصويت بعد ذلك مرتين، يستبعد عند إجراء كل منها من لم يحصل على خمسة أصوات على الأقل فى المرة الأولى ويفوز الحاصل على ثلثى الأصوات الصحيحة للحاضرين. يجرى بعد ذلك التصويت مرة أخيرة ويفوز بالجائزة من يحصل على الأغلبية المطلقة (النصف + واحد) من الأصوات الصحيحة للأعضاء الحاضرين. يعتبر الصوت باطلا فى حالة اختيار العضو لعدد من المرشحين يزيد على عدد الجوائز التى يجرى التصويت عليها فى كل مرة. لا يجوز التغيير فى القواعد المنصوص عليها فيما تقدم أو تعديلها فى أثناء التصويت على منح الجوائز. الكلام النظرى عن التصويت السرى وبقية إجراءات عملية التصويت التى ذكرناها يؤكدان أنه لا يمكن لوزير الثقافة أن يتدخل فى منح الجوائز أو منعها، لكن تشكيل المجلس وعدد الأعضاء لمناصبهم والبالغ عددهم 29 عضوا أى ما يقرب من نصف الأصوات يجعل البعض يتشكك فى نزاهة ومصداقية الجوائز. وحول هذه النقطة أكد الوردانى أن تركيبة المجلس بهذا الشكل هى تركيبة محاباة ولامبالاة، ولذلك تعد جوائز مصر أغرب جوائز الدنيا. ولا يتوقف الأمر عند حد «التركيبة» بل يشتد حينما نلاحظ أن هناك مجموعة كبيرة من المرشحين لجوائز مبارك والتقديرية هم فى الوقت نفسه أعضاء فى المجلس الأعلى للثقافة مانح الجائزة والآمر الناهى فيها، ولكن لكى تتم الشفافية يخرج العضو من الجلسة أثناء عملية التصويت على اسمه. عن ذلك أكد لنا من قبل الناقد د.عبدالمنعم تليمة أن أغلب أعضاء لجان الفحص يتقدمون لنفس الجوائز التى يحكمونها، وفى إجراء شكلى، يخرج المرشح المحكم عند التصويت ليشرب قهوة فى الخارج لحين الانتهاء من الفرع المتقدم له ثم يعود. وانتقد تليمة طريقة تشكيل المجلس القائم على جوائز الدولة، واصفا إياه بالمعيب. وقال إن نصف أعضاء المجلس موظفون بوزارة الثقافة، قد لا يعلمون شيئا عن قيمة أو تاريخ المرشح الذى يصوتون لاختياره، وأحيانا وظيفته، لذا يميل كل منهم عند التصويت على من بجواره ليسأله «هو ده مين؟». المترجم «شوقى جلال» عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، وصف محور نشاط جوائز الدولة بالمحور الأنانى القائم على المصالح الذاتية، ومدى العلاقة بالسلطة، وليس المستقبل الاستراتيجى لمصر ومقتضيات التطوير الحضارى، موضحا أنه لا يمكن عمل جزيرة اسمها جوائز الدولة بمعزل عن واقع ثقافى واقتصادى وسياسى منهار. توجهت بكل هذا الكلام إلى الدكتور عماد أبوغازى الذى قال فى رد قاطع وحاسم وبلهجة غاضبة إن هذا الكلام غير واقعى، فوزير الثقافة لا يملك إلا صوتا واحدا، ولا يستطيع أن يمنح أو يمنع أى جائزة كما يدعى البعض. وتساءل أبوغازى: كيف يستطيع أن يعرف أصلا الوزير بأصوات الأعضاء فى ظل التصويت السرى؟. وأشار إلى أن الوزارة أو المجلس ليس جهة ترشيح، ولا يحق لهما الدفع بأى من المرشحين للفوز بالجوائز، وأنه يتلقى الترشيح من الجهات والمؤسسات والهيئات الثقافية والعامة المنصوص عليها فى القانون، فضلا أن المجلس لا يستطيع رفض أى ترشيح يقدم له إلا فى حالة عدم استيفاء شروط الجائزة. واتفق مع رأى أبو غازى الدكتور جابر عصفور الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة قائلا: «هل يستطيع الوزير أن يطلب من أساتذته التصويت لفلان وحجب صوته عن فلان؟، هذا أمر غير منطقى». (حل القصة) وبعد كل تلك العقد والصراعات يتحتم فى نهاية القصة الوصول لحل طرحه لنا المترجم الدكتور رفعت السيد بعد أن تشاور فيه مع أحد الصحفيين الكبار، ويتمثل الحل فى إنشاء جائزة موازية لجائزة الدولة، تكون جائزة أهلية مستقلة مكونة من عقلاء الأمة. وتشرف عليها جهة محايدة تعمل بنظام التجديد النصفى كل خمس سنوات لضمان استقلالها، وتكون على خطى جائزة بوليتزر Pulitzer Prize وهى مجموعة من الجوائز والمنح تقدمها سنويا جامعة كولومبيا بنيويورك فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى مجالات الخدمة العامة والصحافة والآداب والموسيقى. وتحظى هذه الجوائز، التى مولت فى الأساس بمنحة من رائد الصحافة الأمريكى «جوزيف بوليتزر» بتقدير كبير، واستقلالية تامة، ويأمل رفعت السيد أن يتبنى تلك الدعوة كل المهتمين بالثقافة، لتأسيس جائزة موازية لجوائز الدولة تبتعد عن الشبهات والمحسوبيات.