هل المصريون زمان، كانوا أكثر وعياً بأهمية النقل المائي، مما نحن عليه الآن.. أم اننا لا نعرف ما تحت أيدينا من قيمة، وفي مقدمتها هذه القنوات والترع. أقول ذلك لأن النقل المائي كان أحد أهم أقدام الحضارة الفرعونية.. حتي لنقل أحجار الأهرام.. والمسلات. ونقل الطعام والبشر.. فماذا دهانا؟! عندنا النيل- أكثر من 1000 كيلو متر، ممتداً من جنوبأسوان إلي القاهرة ثم فرعي النيل- دمياط ورشيد- وعلي الأقل 3000 كيلو متر من الترع بكل أنواعها الصالحة للملاحة.. والرياحات.. والخلجان- والخليج عندنا هو الترعة الكبيرة- عندنا 3 رياحات: الجيري والمنوفي. والتوفيقي حول ووسط غرب فروع النيل.. وعندنا ترعة المحمودية التي أعاد محمد علي حفرها- وكان اسمها قبله- ترعة الإسكندرية لتصل بين القاهرةوالإسكندرية- وبالمناسبة المحمودية نسبة إلي السلطان العثماني محمود- وترعة الإبراهيمية التي حفرها الخديو إسماعيل عام 1873 وطولها 267كم من أسيوط وحتي مشارف الجيزة.. وترعة الإسماعيلية الحلوة من القاهرة إلي منطقة قناة السويس. وأتذكر هنا كيف شدد محمد علي باشا علي مهندسيه بأن يكون عمق الرياحات التي تخرج من القناطر الخيرية يسمح باستخدامها في النقل للركاب والبضائع.. وأن تكون مستقيمة.. وليس فقط في ترعة المحمودية التي تخرج من فرع رشيد. بل ان مصر أيام الوالي سعيد باشا أنشأت عام 1854 شركة للملاحة النيلية لنقل الحاصلات والمسافرين بطريق النيل، علي البواخر.. وسبب ذلك ان المراكب الشراعية كانت تنقل البضائع من القاهرة للإسكندرية خلال 15 يوماً.. في حين ان البواخر «المقررة» تقطعها في 36 ساعة.. وبعد ثلاث سنوات أسست مصر- أيضاً أيام سعيد باشا- شركة مساهمة للملاحة البحرية هي «القومبانية المجيدية» نسبة للسلطان عبدالمجيد لتسيير البواخر في البحر الأحمر ثم للمحيط الهندي. ثم الخليج العربي.. وفي البحر المتوسط. وعندنا البحيرات الشمالية علي البحر المتوسط- من البردويل شرقاً إلي مريوط غرباً مروراً ببحيرات المنزلة والبرليس وادكو. وللأسف كنا نستخدمها كلها في النقل المائي وكان في بعضها العديد من الخطوط الملاحية، وبالذات في المنزلة.. وكلها اختفت الآن. وحاولت مصر في العصر الناصري تنشيط النقل المائي.. وكانت البداية انشاء ميناء أثر النبي في مصر القديمة لاستقبال بضائع الوجه القبلي.. كما كان موجوداً ومنذ مئات السنين.. وكانت بضائع الوجه البحري تتوقف عند ميناء بولاق وحتي روض الفرج. ومازالت لأسماء روض الفرج وبولاق.. رنينها.. ومازال هناك- ولو اسماً- شارع اسمه شارع سوق الغلال من خلف فندق هيلتون رمسيس إلي مبني التليفزيون الحالي حيث كانت الغلال تصل إلي هنا! وحاول المهندس سليمان متولي- مشكوراً- إحياء هذا النقل المائي باعداد المجري المائي للنيل ليعود طريقاً للملاحة النهرية وتزويده بالموانئ والشمندورات والاضاءة وكذلك تم شق قناة ملاحية من ميناء دمياط علي البحر المتوسط إلي مجري النيل لتسهيل نقل البضائع القادمة لمصر عبر الميناء.. أو البضائع التي يمكن تصديرها عبره. وهنا أتذكر جهود المهندس حسب الله الكفراوي صاحب الفضل الأكبر في انشاء هذا الميناء، في ضرورة حفر هذه القناة الملاحية من الميناء إلي مجري النيل- جنوب رأس البر.. بل وضغط ليتم تطوير هويس النيل بالغرب من دمياط وتحويله من سد ترابي إلي هويس حديث ليسمح بمرور السفن- حاملة القمح والذرة وغيرهما إلي داخل البلاد.. وتحملت مصر تكاليف بناء الكباري «اثنان» فوق هذه القناة الملاحية علي الطرق المؤدية إلي رأس البر.. وللأسف.. توقف هذا المشروع ولم تتحرك علي هذه القناة سفينة نقل واحدة حتي الآن رغم مرور عشرات السنين.. وما تحملته مصر لتجهيز المجري الملاحي في نهر النيل.. حتي القاهرة كلها.. ضاعت، أو غرقت في مياه النيل! هنا تشير أصابع الاتهام إلي امبراطوريات سيارات النقل العملاقة.. وأيضاً شركات رصف الطرق البرية.. لكي تربح هذه وتلك المليارات.. فكان ان دفع شعب مصر ثمناً غالياً لرصف الطرق البرية واعادة صيانتها. وهكذا كما أهملنا النقل الثقيل بالسكك الحديدية لمصلحة هذه الامبراطوريات تماماً كما أهملنا النقل المائي، ومصر تملك فرصاً طيبة في هذا المجال نقول ذلك رغم كل ما يتشدق به كل المسئولين لتنمية هذه الوسيلة أو تلك.. بل استمر إهمال هذين المرفقين، لتخسر مصر المليارات كل عام. ونحن- في هذا المجال- نتذكر ما فعلته الدول الكبري في أوروبا وأمريكا الشمالية بل وفي آسيا لاستغلال ما هو متاح لديها من المسطحات المائية.. في النقل المائي. وهذا هو مقالنا غداً.. عن تجارب دول أوروبا وكيف ساهم النقل المائي في النهضة الصناعية الكبري.. وكذلك ما قامت به الولاياتالمتحدة وكندا في استغلال البحيرات الخمس الكبري بين الدولتين لبناء شبكة رائعة من النقل المائي.. فإلي الغد.