فى طفولتى حفظت بعضاً من آيات القرآن الكريم ودرست عن قرب الأناجيل وكنت أتلوها كالببغاء ثم عدت إلى قراءة القرآن فى المعتقل فشعرت بالجهل التام ... ولما أفرج عنى أدمنت البحث عن الذات في معرفة أصول المعتقدات والأديان... وأعترف أنى في لحظة ما كنت على شفا النكران ولكن إيمانى كان عقلانيا وليس املائيا، وقد ساعدنى فى ذلك استاذى حامد سعيد رحمه الله الذى فتح لى أبواب الإنسانية الكونية بما لها وعليها. إن الأحداث الدامية كما دونها التاريخ كانت لا توحي بأية إنسانية بل إبادة للبشرية وقد بدأت بمعصية من آدم وحواء وجريمة قتل أخ لأخيه... ويستمر الإنسان فى عمليات القتل في حروب عالمية وقارية وانقلابات عسكرية وإبادات جماعية وثورات دامية وتفنن الإنسان في وسائل القتل والتعذيب من الشنق والخاذوق إلى الجيلوتين إلى النووية والكيماوية والقنابل المحمولة والملقاه يدويا. ويعم التعصب والإقصاء والتهجير القصوى والإرهابى والتميز الدينى والعرقى والجنسى وقتل الابن أبوه والأم أولادها... هل هذه هى البشرية، الإنسانية، الرحمة والله خير الراحمين، هل فقدت البشرية انسانيتها وضميرها بل وعقلها. نحن جميعا مخلوقات ابناء الله الواحد... الأحمر والأسمر والأسود كلنا بشر تجرى فى عروقنا ذات الدماء – لهذا بدأت المسيرة من المسانية والطادية والزردشتية والبوذية مرورا باليهودية والمسيحية ثم الإسلام.. الكل من نبع واحدة يحمل كل منا نفحة من الله.. إن الإنسان ليس لحماً وعظماً فهما إلى التراب زائلان ولكن الانسان عقل وضمير وهما الباقيان، هما المحركان للأرض وما عليها، فمن العقل جاءت الحضارات والدساتير ومن الأديان والضمير جاءت القوانين. وأنظر حولى الآن عقول غسلت وضمائر ماتت وقلوب تحجرت ونفوس ضلت وأخلاق ذهبت وتربية وهنت وتعاليم انهارت. وأذكر يوما أن شتمت أخى «بيا حمار» فملأت أمى فمى بالشطة الحمراء وأوقفتنى ووجهى إلى الجدار لمدة ساعات وتتوتر اعصابى اليوم ما بين الجرائد والتليفزيون والمسلسلات الهابطة وما أسمعه من ترهات ولم أعد أسمع كلمات مثل الله يسامحك ربنا يزيدك من نعيمة شفاك الله كان إنسانا محترما إلخ.. واليوم الشباب يعد قنابل الموت والدمار ويحرقون ديار العلم والنور ويهيئون المعلمون... ماذا جرى لمصر؟ علينا أن نبدأ البناء من جديد أن نعيد النظر في منظومة التربية قبل التعليم، ان نعيد حب الوطن في الوجدان وان المواطنة للجميع، ان على الأزهر والكنيسة والأسرة أعباء كبيرة في إعادة تأهيل شيء الجديد – وعلينا ان نعلم المعلم قبل ان نعطيه رخصة التعليم وأن يرجع الطبيب الى الضمير وقسم أبوقراط ولا ينظر الى جيب المريض. إن الإنسانية ليست صفة أو كلمة بل هى إحساس بالآخر أفرح لفرحه وأحزن لحزنه وأكون معه في ضيقه أن أمسح دمعة طفل أشد أمر أرملة أراعى الله وضميرى في كل ما أفعل وأقول... إن الصيام ليس أكل مواعيد فقط بل صيام الضمير وعفة اللسان وأعبد ربك كما تريد في دارك أو داره وان تحب مصر كما تحب نفسك وحب قريبك والآخر كما تحب ذاتك... إذا أنت إنسان يا بنى. عضو الهيئة العليا