والعنوان أعلاه هو مثل عربى قديم، يشير إلى من يسعى كى يعير غيره بعيوب تملأه من رأسه لقدمه، فيتهم الآخرين بعيوبه، تهرباً من الاعتراف بالمسئولية عنها وعن النتائج المترتبة عليها، فيسقط ما به على غيره. تذكرت هذا المثل أثناء متابعتى لردود الفعل المصرية والعربية على الموقف المصرى من العدوان الإسرائيلى الوحشى على غزة، بعد أن أبعدتنى قسراً عن متابعة إرهاب الدولة العبرية فى غزة عبر شاشات التليفزيون، مشاهد القتل اليومى المستمر منذ نحو أكثر من عشرين يوماً، لنساء وأطفال ومدنيين عزل، وهدم منازلهم وأحيائهم، وحرمان من عاش من أهالى القطاع من احتياجات الحياة الضرورية من ماء وكهرباء وممرات آمنة، وحرمان الجرحى منهم من العلاج، وتخييرهم بين موتين، موت بطيء جوعاً وعطشاً، ونزفاً، وآخر حتمى بآلة الدمار الإسرائيلية، وهى مشاهد لم أعد أتحمل رؤيتها، والعالم أجمع يقف عاجزاً عن منع إسرائيل من مواصلة مجزرتها! وحده الموقف المصرى هو «الحيطة المايلة» والشماعة التى تعلق عليها كل الذنوب والخطايا فى الساحة العربية، وحتى الجرائم التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى فى غزة، ففى الصحافة المصرية والعربية، انطلق الفيلق القطرى –الإخوانى المشترك للتنديد بالمبادرة المصرية، فور إعلان حركة «حماس» رفضها لها، ولم يشأ هؤلاء الاكتفاء برفضها، بل ساقوا سلسلة من الأكاذيب والافتراءات، وألصقوها بظروف إعلانها، بينها أن الإدارة المصرية أطلقتها بناء على طلب إسرائيلى، ولم تستشر بشأنها أطراف المقاومة الفلسطينية، وأنها بعثت برئيس المخابرات المصرية إلى تل أبيب كى تنسق مع الحكومة الإسرائيلية من أجل تأديب «حماس» والمقاومة الفلسطينية، وأنها ليست مبادرة للتهدئة، بل فخ منصوب للمقاومة، وأن كل من يتحدث عن تهدئة مع إسرائيل، هو شريك لها فى جرائمها، وأن الإدارة المصرية سارعت بإطلاقها، كى تقطع الطريق على مبادرات أخرى تركية وقطرية بطبيعة الحال، تريد أن تحل مكان الدور المصرى فى الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى عبر «حماس»، وتتبنى مطلبها بتدويل معبر رفح، بتحايل فاضح، عبر مطلب غير قابل للتحقق أصلا، هو تدويل كل المعابر الخمسة التابعة لإسرائيل المخصصة للبضائع، والمعبر المصرى المخصص لمرور الأفراد! وقبل الرد على هذه الترهات، تستحق الدبلوماسية المصرية كل تقدير وإعجاب لإدارتها المسئولة والهادئة لهذه الأزمة، وترفعها عن الصغائر، وقدرتها على وضع أولويات لا تتناقض مع بعضها، تحفظ الأمن القومى المصرى من جهة، وتعتنى فى نفس الوقت بمصائر أهالى غزة، بفتح المعبر للجرحى والمصابين، وتوفير المستشفيات المتنقلة لهم ونقل من يحتاج منهم للعلاج فى المستشفيات المصرية، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية المصرية والعربية لمن هم فى الداخل، فضلاً عن الدور السياسى الذى تلعبه، مع الأطراف المختلفة وفى المحافل الدولية لوقف المجازر الإسرائيلية، وتجنيب أهل القطاع مزيداً من الشهداء والدمار. وكانت المبادرة المصرية التى دعت الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى بوقف جميع الأعمال العدائية المتبادلة، وفتح المعابر لتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع واستقبال وفود من الطرفين فى القاهرة فور القبول بها دون شروط لتثبيت وقف إطلاق النار، واستكمال إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، طبقاً لتفاهمات تثبيت التهدئة التى تمت فى عهد الإخوان عام 2012، أقول، كانت تستهدف وقف مزيد من إراقة الدم الفلسطينى انطلاقاً من واقع الاختلال الفادح فى ميزان القوى، بين صواريخ حماس وآلة الحرب الإسرائيلية العنصرية المدمرة، وكل قراءة للمبادرة لا تأخذ بعين الاعتبار هذا الاختلال، تظل قراءة خاطئة، وفى أكثر من مناسبة أكد الرئيس الفلسطينى «محمود عباس» أن المبادرة المصرية عرضت قبل إعلانها على كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس، وأكد لى أحد القادة الفلسطينيين أن حماس قبلت بها فى الغرف المغلقة، ثم سارع قادتها برفضها أمام منصات المحطات الفضائية امتثالاً لرغبات المحور القطرى –التركى! الآن يجرى التفاوض على نفس ما طرحته المبادرة المصرية قبل نحو أسبوعين حيث تستعد القاهرة لاستقبال وفد من إسرائيل ومن كل الفصائل الفلسطينية، بعد تدمير البنية التحتية بشكل كامل فى القطاع، واستشهاد أكثر من 1200 فلسطينى معظمهم من المدنيين، وجرح أكثر من 7000 فلسطينى يعجز أكثرهم عن تلقى العلاج، وهى خسائر لا تعادل مقتل أكثر من 50 جندياً إسرائيلياً، فى هذه الحرب التى يصفها العالم بحرب إبادة جماعية، ويعجز عن إجبار إسرائيل على وقفها! فى غمرة الهجوم على الموقف المصرى، وما يسميه البعض الحملة العدوانية للقيادة المصرية ضد الإخوان وفرعهم الفلسطينى، المدعوم قطريا وتركيا، تغيب بعض الحقائق الساطعة ومنها: أولاً أن تحميل القيادة المصرية مسئولية فتور المشاعر الجماهيرية تجاه ما يجرى فى غزة من قبل فيلق الدعاية القطرى -التركى، هو فى الواقع تبرئة لحماس من المسئولية الكاملة عما لحق بالقطاع منذ انقلابها على السلطة الوطنية، واستلائها على السلطة فى 14 يونيه 2007 وتحويله إلى إمارة إسلامية يجرى فيها تصفية الخصوم وملاحقة النساء، وهو ما انتهى بعزله عن العالم، بعد أن أدرجت حركة حماس كمنظمة إرهابية فى أمريكا وعدد من الدول الاوروبية، كما هو تجاهل لمشاعر الغضب الشعبى التلقائى المتراكم على امتداد السنوات الأربع الماضية، للدور الذى لعبته حماس مع جماعة الإخوان فى هدم مؤسسات الدولة المصرية، باقتحام السجون وتهريب مجرمين وإرهابين داخل وخارج الحدود المصرية، ومد الجماعات الإرهابية فى سيناء بأسلحة متطورة، للدخول فى صدام ما زال مستمراً مع الجيش والشرطة، ولا يتوقف عن حصد أرواح أفرادهما. ثانياً أن الدعوات التى تطرح بحسن نية أو بسوئها، عودة قطاع غزة إلى الإدارة المصرية، غير مقبولة، وقد سبق للإسرائيليين أثناء مفاوضات «كامب ديفيد» أن تقدموا بهذا العرض، لكن الرئيس السادات رفض رفضاً قاطعاً القبول به، ومن البديهى أن ترفض الإدارة المصرية مناقشة مسألة معبر رفح بشكل منفرد، بعيداً عن قضية المعابر مكتملة، ناهيك عن أن تقبل بالمطلب الوقح بتدويله! ثالثاً أن من الصحيح أن الرأى العام الغربى قد انقلب على إسرائيل بسبب عدوانها الوحشى على الفلسطينيين، إلا أن الصحيح أيضاً أن سلطة القرار فى أيدى الحكومات، فواشنطن قد سمحت لإسرائيل باستخدام ماتحتاجه من ذخيرة بنحومليار دولار مخزنة فى الأراضى الإسرائيلية لمواصلة ما تسميه دفاعها المشروع عن النفس، ثم باتت تشترط وقفا لإطلاق النار بنزع سلاح حماس، وبترتيبات مماثلة لما انتهت اليه الحرب الإسرائلية مع حزب الله فى عام 2006 بصدور قرار مجلس ألأمن 1701 الذى أبعد به حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، ونشر الجيش اللبنانى فى الجنوب، ووسعمن قوة الأممالمتحدة لمراقبة تطبيق القرار، وهو ما يعنى طبقا لموازين القوى الدولية، أن شروط حماس لوقف النار، بإنهاء الحصار وفتح كل المعابر واطلاق سراح الأسرى غير قابلة للتحقق! رابعا وأخيرا أن حملة الهجوم على المبادرة والقيادة المصرية من قبل أردوغان بزعم أنها تخدم مصالح اسرائيل، هى جعجعة بلا طحن يروج بها رئيس الوزراء التركى لحملته لانتخابات الرئاسة التى ستجرى فى العاشر من أغسطس الحالى، فى نفس الوقت الذى يسمح فيه لقاعدة كورجيك التركية، بتزويد اسرائيل بالمعلومات الأمنية، التى تتقاسمها القاعدة مع نظام القبة الحديدى الإسرائيلى لإسقاط الصواريخ التى تطلق من غزة، وغير خاف عن أحد المعلومات التى تتقاسمها قاعدتا العديد الأرضية والسيلية البحرية فى قطر مع إسرائيل لتنفيذ أهدافها الحربية ضد الشعب الفلسطينى، ثم لا يخجل المحور القطرى- التركى وفيلق دعايته فى الإعلام المصرى، بوصم الموقف المصرى، بما يقوم به بالفعل: خدمة مصالح إسرائيل!!