المشكلة ليست في قطر، وإنما في القاهرة، في الإعلام المصري بكل أطيافه؛ حكومي وخاص، قطر لها كل الحق في أن تختار من المواقف والسياسات ما يراه أصحابها، ولكن ليس من حقنا أن نصاب بفقدان البصر، والبصيرة ونتعامل مع قطر على أنها تهدد مصر، أو تنافس مصر، أو تريد أن تأخذ دور مصر، أو تسعى لأن تكون الدولة المحورية بدلا من مصر، وتتدخل في مشكلة دارفور على حدودنا الجنوبية، أي في عقر دارنا، وفي غزة التي هي مصر وليست جارة لمصر، كل هذه الأوهام خلقها إعلام «عقلة الأصبع» القزمي في مصر بكل من فيه من أنصاف متعلمين، فاقدي الرؤية الاستراتيجية، أصحاب الأصوات الزاعقة، ملهبي حماس العوام، ومهيجي البسطاء من الناس، إعلام ترسيخ الجهل الاستراتيجي، رغم كثرة الضيوف الاستراتيجيين، إعلام عمى الألوان، الذي يرى الأسد أرنبا، ويرى الفأر فيلاً. لا يوجد عاقل في الأرض يمكن أن يظن أن قطر تستطيع تهديد مصر، أو تحريك ساكن في مصر، والمسألة ليست سوى حسابات جيوإستراتيجية، ومقاييس موازين القوى، فإمارة موناكو مهما أوتيت من قوة لن تملك ما تهدد به فرنسا، قطر لن تبلغ مستوى أن يحسب لها حساب في ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، لأن الدول لا تُقاس قوتها الاستراتيجية بثروتها الاقتصادية، بل بعوامل أخرى أكثر أهمية من الاقتصاد رغم أن الاقتصاد عامل حيوي، وقطر لا تملك من ميزان القوى غير حفنة من الدولارات، ولكن للأسف استطاعت في العشرين سنة الأخيرة ان تخلق حالة من تضخيم الصورة، والدور في أذهان البسطاء من الإعلاميين، ومقدمي البرامج، والمؤلفة جيوبهم من الخبراء وأساتذة الجامعات، والصحفيين، فأصبحوا يحسبون لقطر ألف حساب، لأنها أهم الحساب في حساباتهم، أو لأنها كبيرة في نفوسهم الصغيرة، أو هكذا ألقى السامري، صاحب عجل بني اسرائيل، في قلوب الضعفاء من المصريين، فأصبحوا يخافون عجل بني اسرائيل الحديث المتمثل في قناة الجزيرة، ذو الخوار الأعلى صوتا، وخروا له ساجدين، خائفين، مرعوبين من دور قطر، ونفوذ قطر، وللأسف كل ذلك ما هو إلا خوار عجل من ذهب مسروق من مصر، صنع به السامري عجلا في غيبة سيدنا موسى عليه السلام، أو صنع به سامري العصر قناة فضائية في غيبة عقل مصر، وصوت مصر، وإعلام مصر. إذن فنحن المسئولون عن دور قطر المعادي لمصر، لأننا لو تجهلنا كل دعايتها، وما تنفثه قنواتها الفضائية، ونسينا أن هناك شيئا هناك؛ لما كان لقطر دور، ولا منافسة، ولا تهديد، فكل ما يتعلق بقطر ودورها هو حالة من الوهم، أو التوهم، يخلقها المصابون بالعصاب النفسي، فيخافون من النمل، أو، النحل، أو البعوض، أو الفئران، لا لأنها تمثل خطرا عليهم، ولكن لأنهم خلقوا خطرها في عقولهم، فأصبح الخطر داخليا في الرؤوس وليس خارجيا في قطر. وقديما أدرك الإنسان العربي بحكمته، وعمق تفكيره، وبعد نظره هذه الحقيقة، ووضعها في مثل شعبي تتوارثه الاجيال، وتتناقله عبر الزمان، وعلى مدى المكان، فقال «جابوا الخيل يحدوه.. قام الفأر مد رجله»، مشهد ترسمه الكلمات في صورة اكثر عمقا من لوحة فنان، يقول لنا إن الفارس جاء بحصانه ليضع له حدوة أي حلقة حديدية في حافره تحفظه من الاحتكاك بالأرض، فتوهم الفأر أنه مثل الحصان، وأنه يقوم بدوره، وأن له حافرا في نفس حجم حافره، فقام ومد رجله ليضع الصانع له حدوة فيها، مثل شعبي أعمق من أي تحليل استراتيجي، لأنه اختزل القصة كلها في كلمات موجزة، ومعبرة، ترسم لنا كل حكاية مصر وقطر، أو السعودية وقطر، أو الإماراتوقطر، في كل هذه الحالات لا يحتاج الإنسان ان يشرح أين الخيل، وأين الفأر. الحكمة تقتضي أن يتوقف الإعلام المصري عن الحديث عن قطر بالكامل، وأن يدرك يقينا أن كل حديث عنها هو تحقيق لأهدافها، وأن يتجاهل كل ما تقوم به، وتدعو إليه، وكذلك أن يقاطع الإنسان المصري كل ما تنفثه قنوات قطر، ولا يعيرها أي إهتمام على الإطلاق مثلما فعل السوريون مع الجزيرة مباشر سوريا، وحينها لن يكون هناك مؤامرة قطرية، ولا دور قطري، ولا منافسة قطرية، وبذلك يتوقف هذا الصداع ونحفظ للإخوة العربية حقها، فلعله يظهر هناك رجل رشيد، أو امرأة رشيدة، ولنتمثل قول المتنبي: وأتعب من ناداك من لا تجيبه ... وأغيظ من عاداك من لا تشاكلُ.