الجدل المثار في مصر حاليا حول قرار الإلغاء التدريجي للدعم عن المواد البترولية والكهرباء والغاز خلال خمس سنوات والذي بدأ تطبيق الجزء الأول منه مؤخرا بتحريك أسعار البنزين والسولار بنسب تتراوح بين 40٪ و60٪ متوقع رغم استغلال الإخوان له لإشعال الغضب في الشارع المصري لتزامن القرار مع الذكري الأولي لعزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، والمهم هنا أن القرار يجب ألا يكون علي حساب الفقراء فقط بل يجب أن تتبعه إجراءات أخري من أجل تعافي الاقتصاد المصري وهي: مكافحة الفساد: ويحضرني هنا قضايا الفساد العديدة التي كشفها المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والتي تتجاوز قيمتها 200 مليار جنيه وتتضمن أراضي الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر والتي تم توزيعها علي المحاسيب بأسعار زهيدة للغاية، ناهيك عن التعديات علي أراضي النهر وتبلغ ملايين الجنيهات فلماذا لا تتحرك الدولة لاستعادة أملاكها المهدرة والمستباحة؟ رفع الأجور: لا يمكن بحال القبول برفع أسعار الوقود الذي أدي بدوره الي رفع أسعار السلع الغذائية والخدمات والميكروباص مع ثبات الأجور لأن القرار الأخير يؤدي الي تآكل المرتبات وعدم مواكبتها للأسعار والأمر يتطلب إعداد دراسة وافية لربط الأسعار بالأجور لأنه لا يمكن بأي حال شراء سلعة في مصر بعد خمس سنوات بالسعر العالمي وبالأجر المحلي فإذا كان السعر عالميا فينبغي أن يكون الأجر عالميا أيضا وإذا كان هناك 6 ملايين موظف يعملون بالجهاز الحكومي والقطاع العام يمكن ربط أجورهم بالأسعار فينبغي أن يشمل القرار رفع أجور القطاع الخاص أيضا. ضبط الأسواق: ضروري لإحكام السيطرة علي الأسعار وهذا يتطلب الرقابة علي الأسواق من ناحية السعر ومدي التزام التجار به لأنه لا يمكن أن يترك الأمر «سداح مداح» لهم يستغلون معاناة الناس لتحقيق مكاسب خيالية كذلك يجب الرقابة علي السلع التموينية المدعمة كالدقيق مثلا وهل تستخدم الحصص المقررة في إنتاج الخبز المدعم وبالجودة المطلوبة أم يتم بيعه في السوق السوداء لمحلات الحلويات لصناعة الخبز الفاخر والكنافة والبسبوسة بدون الرقابة علي الأسواق سوف ترتفع الأسعار أكثر مما يهدد بحدوث قلاقل اجتماعية واضطرابات في مرحلة دقيقة من عمر الوطن لا تحتمل أي ثورات جديدة خاصة ثورة الجياع. تحسين الخدمات: أكد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء في تصريحات لإحدي الفضائيات أن دعم الطاقة يبلغ 144 مليار جنيه وقد تم توفير 44 مليارا من رفع أسعار الوقود والكهرباء مؤخرا وتم توجيه 10 مليارات جنيه الي التعليم ومثلها الي الصحة وأعتقد أن التحسن التدريجي في تلك الخدمات سوف يشعر المواطن بجدوي قرار رفع أسعار الطاقة وأنه لم يكن قرارا ارتجاليا بل كان مدروسا لإصلاح الاقتصاد الوطني كما فعلت العديد من الدول من قبل، والمهم هنا إحداث تقدم نوعي في الخدمات المقدمة للمواطن وفق خطة مدروسة، حتي لا يحدث تقدم في منطقة ما مثلا ويتم تجاهل أخري. الدعم النقدي: تردد كلام كثير عن صرف الدعم النقدي لبعض الفئات المهمشة بدلا من الدعم المقدم لها بعد إلغائه وقيل إن الدعم النقدي أكثر عدلا من الدعم العيني لضمان وصوله الي مستحقيه من استهداف شرائح معينة ولكن تم إصدار قرار تحريك الأسعار دون الإشارة الي الدعم النقدي فماذا تم بشأنه؟ هل تم إلغاؤه؟ أم تتم دراسته بدقة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية؟ الدعم النقدي مهم لمواجهة انفلات الأسعار ولعدم قدرة الشرائح الاجتماعية الأكثر فقرا علي مواجهة غول الأسعار لذا يجب سرعة إصداره وتنفيذه. العدالة الاجتماعية: وتتطلب الالتزام بتطبيق الحدين الأدني والأقصي للأجور والتي حددها المشروع ب1200 جنيه للأدني و42 ألف جنيه للأقصي ولا تقتصر العدالة الاجتماعية عند هذا الحد بل يجب أن تشمل الاستغناء عن فئة المستشارين في مختلف الوزارات والهيئات والمصالح ويتقاضي المستشار الواحد في المتوسط بين 30 الي 100 ألف جنيه، ويمكن أن يقوم موظفون أكفاء بأعمالهم بأجور قليلة أيضا تتطلب العدالة الاجتماعية إعادة النظر في الصناديق الخاصة في المحافظات وتذهب أموالها مكافآت لبعض المحظوظين، كذلك يتطلب الأمر رؤية جديدة لقضية البذخ الحكومي في المصالح الحكومية والهيئات والوزارات فمن غير المعقول أن نكون في بلد فقير والوزراء لديهم أسطول من السيارات لخدمته وخدمة أسرته ومعظمها سيارات فارهة تتطلب نفقات باهظة للصيانة والتشغيل، في ماليزيا قام رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد ببيع السيارات المرسيدس الفارهة في مزاد واستشري سيارات صغيرة بدلا منها لخدمة الوزارة وقام بإيداع فارق المبلغ في الخزانة العامة للدولة فمتي نصل الي درجة الرشد في اتخاذ القرار؟ باختصار.. إلغاء الدعم قرار صحيح ولكنه وحده لا يكفي لإصلاح منظومة الاقتصاد.