بصرف النظر عن رأيك فى قرار زيادة أسعار البنزين والسولار، وتوابع هذا القرار، لابد أن تعترف أن الخطاب الذى ألقاه الرئيس السيسى، أمس الأول بمناسبة ذكرى انتصار العاشر من رمضان، قد أعادك إلى مرحلة ما قبل ارتفاع الأسعار!!لقد عانيت أيها المواطن فى أوقات سابقة من أزمات ارتفاع الأسعار، وشرارة غضبك الناتجة عن زيادة سعر البنزين والسولار، كادت تحرق الوطن، أيام مبارك ومرسى، ولكن هذه المرة وجدت من يقولك لك: «فعلًا.. اتخذنا قرارًا بالزيادة لأننا على وشك الإفلاس»!! وقال لك لن أخدعك، ولن أبحث عن رضائك على حساب أولادك، لأن دعم الطاقة يلتهم 350 مليون جنيه من ميزانية الدولة فى صباح كل يوم!!ماقاله السيسى فى خطابه يسميه أطباء علم النفس «الاعتراف بالواقع» وهو بداية جيدة للعمل بين الرئيس والمواطن، صحيح هناك إجراءات لابد من اتخاذها لتخفيف آثار هذا القرار على المواطن البسيط، ولكن البداية تعنى أن هناك رغبة وإرادة لدى الدولة للإصلاح، ولايوجد لديها «خداع مبارك ومن جاءوا قبله» ولايوجد لديها «إنكار مرسى للواقع» وهذه هى نقطة الضوء الإيجابية فى الخطاب الذى شعرت خلاله رغم شعورى بأن قرار زيادة الأسعار جاء متعجلًا أننا نسير فى طريق سوف يسفر عن توازن اقتصادى مطلوب، وسوف ينتج عنه إرادة التقسيم العادل للدعم الذى يلتهم مليارات الجنيهات سنويًا!!فنحن نريد العدالة عند التقسيم، لأن دعم الطاقة بموازنة العام المالى الحالى كان يبلغ قبل رفض الرئيس التوقيع عليها وإعادتها للتعديل حوالى 130 مليار جنيه، وكان حجم استفادة الفقراء منه حوالى 40 مليار جنيه فقط أى ما يوازى حوالى 33% فقط من حجم الدعم، وكان باقى المبلغ يذهب لمن لا يحتاجه أى حوالى 76% من هذه المليارات السنوية!! هذه هى الأزمة التى يجب أن نتساءل: هل مازالت مستمرة أم أنها سوف تتوقف عقب الإجراءات التقشفية الأخيرة؟ وحتى لانسقط فى فخ «الموافقة دون تمييز» على هذا القرار الذى يؤلم الناس، أو هذا «الدواء المر» كما تسميه الحكومة، يجب، أن نطلب من الرئيس وحكومته، مراجعة قضايا أخرى، سوف تسهم فى ضبط الميزانية، منها ضرورة تخفيض الدعم، أو إلغاؤه، بالتدريج عن المصانع الكبرى، خاصة مصانع الحديد والأسمنت التى تلتهم معظم وسائل الطاقة فى مصر، فطبقًا لتقرير صادر عن هيئة التنمية الصناعية فى 2007 هناك 40 مصنعا فقط يستهلكون نحو 65% من البترول المدعوم المخصص لقطاع الصناعة ومن ضمنهم شركات متعددة الجنسيات..فمصانع الأسمنت كانت تحصل على المتر المكعب من الغاز بقيمة ثلاثة جنيهات، قبل قرار الزيادة، فى حين أن السعر العالمى 12 دولارًا، ثم تبيع هذه المصانع الطن للمستهلك بما بين 800 و900 جنيه للطن وهو أغلى من السعر العالمى المقدر بنحو 600 جنيه!! لماذا لا تتم مراجعة هذه المصانع، وإجبارها من خلال خطوتين على دفع مقابل الطاقة بما يقترب من السعر العالمى، أو حتى نصفه، وفى نفس الوقت إخراجها من دائرة سعر السوق، فى إطار البيع المحلى، وتخفيض سعر الطن إلى النصف أو الثلث، حتى ينتعش سوق العقارات، وتعود عجلة الاقتصاد للتحرك، ويعود معدل تداول الأموال إلى إطاره الطبيعى؟! هناك أيضًا حديث مهم حول ما قاله الرئيس فى خطابه وتأكيده أن معاناة الناس من الإجراءات الاقتصادية التقشفية سوف تستمر لمدة لا تقل عن سنتين!! هذه جملة مهمة، حتى لا ينتظر الناس انفراجة قبل هذا الموعد، ولكن عندما نتحدث إلى مواطنين أغلبيتهم الكاسحة تعانى من مشكلات يومية فى المواصلات، والصحة، والتعليم، وقبلها جميعًا التغذية والطعام، يجب أن نضع لهم مخططًا وجدولًا زمنيًا يقنعهم بالاستمرار فى المعاناة والألم أثناء العلاج، الذى قال عنه رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير التجارة والصناعة، فى أحاديث مختلفة لهم، أنه مثل»الدواء المر»!!ولكن المريض الذى يتجرع دواءه لعلاج مرض عارض، يجب أن يقول له الطبيب عن المدة اللازمة، لتناوله، حتى يذهب العرض، وقد حدث هذا بتحديد مدة السنتين، ولابد أيضًا من نظام غذائى محدد، وإجراءات مصاحبة للعلاج، وحماية الجسم من الأعراض الجانبية، ويجب أيضًا أن تكون المدة المحددة للعلاج، نهائية، وإلا يصبح المرض مزمنًا، وسوف تسوء معه حالة المريض الذى قد يتصرف بطريقة عصبية، قد تؤذيه قبل غيره!! المعركة ليست سهلة، وقد قام الرئيس، باتخاذ خطوة الاعتراف للشعب، وسوف يصدقه الناس لأنهم يعرفون أنه كذلك، ولكن يجب أن نحافظ على المصداقية بإجراءات أخرى مهمة، مثل تطبيق الحد الأقصى للأجور فعلًا لأنه لم يطبق حتى الآن فى قطاعات كثيرة!!بعضها سيادى والآخر اقتصادى!! يجب أن يصدق الناس أن الإجراءات التقشفية سوف تطال الجميع، وإلا سيتحول «الدواء المر» الذى يعالجنا إلى مدمر للجهاز العصبى!!