كثير من المدن والأماكن فى العالم تحمل أوصافاً متناقضة ولعل المثل الأشهر على ذلك هو مدينة باريس فى فرنسا والتى اصطلح على تسميتها ب«بلد الجن والملائكة». وفى مصر كثير من مثل تلك الأماكن التى تحمل ذات الأوصاف وعلى رأسها تلك الأماكن قرية طحانوب التابعة لمركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية.. فالقرية هى بلد الباشوات وعشاق «عبدالناصر» وبلد الضابط والبلطجى.. بلد القاتل والشهيد. والذى لا يعرفه الكثيرون أن تلك القرية التى تبعد عن القاهرة بحوالى 35 كيلومتراً فقط تعتبر أقدم من مدينة القاهرة ذاتها إذ يعود تاريخها إلى العصر الفرعونى إذ إن اسمها «طحانوب» هو اسم هيروغليفى ومعناه (الأرض الذهبية لمعبدالإله أنوبيس). وعلى مدى تاريخها الطويل كانت القرية مسرحاً لأحداث مهمة فى التاريخ المصرى، وخرج من القرية مسئولون كبار واستقبلت القرية أيضاً رؤساء وزعماء وملوكاً عرباً وأجانب.. فالوزير الوفدى أحمد حمزة الذى تولى وزارة التموين قبل ثورة يوليو وعضو مجلس شيوخ ومحمود حمزة، عضو مجلس النواب، وعواد حمزة.. جميعهم من أبناء طحانوب. وبعد الثورة أنجبت طحانوب صفوت حمزة، مؤسس حزب العمل الاشتراكى فى القليوبية، وأنجبت أيضاً، محمود صلاح حمزة، عضو مجلس الشعب 2000 - 2005. القرية ذاتها استقبلت على فترات مختلفة أصحاب فخامة وجلالة وسمو عرب وأجانب.. كان على رأسهم الملك سعود بن عبدالعزيز والملك فيصل بن عبدالعزيز ومصطفى باشا النحاس، رئيس الوزراء، وأغنى أغنياء العالم أوناسيس وجاكلين كنيدى والزعيم إبراهيم شكرى والمجاهد اليسارى خالد محيى الدين. وفى أحد شوارع القرية غنت الفنانة ليلى مراد أغنيتها الشهيرة «اتمخطرى يا خيل». ولسنوات طويلة قبل ثورة يوليو وبعدها صدّرت طحانوب لفرنسا ورد الياسمين فحولته باريس إلى واحد من أرقى عطورها. وخلال حرب أكتوبر قدمت طحانوب سبعة من الشهداء فى هذه الحرب التى أعادت لمصر هيبتها بين الدول بل أمام الدنيا كلها.. والمثير أن القرية التى كانت وفدية حتى النخاع لم تمنعها وفديتها من تأييد عبدالناصر وثورة يوليو ووصل حب أهلها ل«ناصر» لدرجة أنهم أقاموا تمثالاً ضخماً للزعيم «عبدالناصر» على مدخل القرية وهو التمثال الذى تبرع فلاحو القرية بقيمة تشييده فى الخمسينيات وظل حتى الآن شاهداً على عشق «الطحاوية» ل«ناصر». ولسنوات طويلة عاشت طحانوب كأى قرية مصرية.. بلدة طيبة عابدة لربها الغفور.. وبعد ثورة يناير 2011 شهدت القرية تغيرات كثيرة وتحولت لوكر لعدد من البلطجية الذين فرضوا إتاوات على أهالى القرية وشاركوهم أرزاقهم وأقواتهم وظلوا على هذا الحال حتى أسابيع قليلة مضت وتحديداً حين قامت قوات الشرطة بحملة تمشيط ومطاردة للبلطجية وألقت القبض على بعضهم بينما فر آخرون خارج القرية. ولم تهنأ القرية بخلاصها من البلطجية إذ سرعان ما فقدت أحد خيرة شبابها وهو الملازم أول أحمد محمد أحمد حيدر، الضابط بقطاع الأمن المركزى، الذى استشهد متأثراً بإصابته بطلق نارى من قبل ملثمين مجهولين، بطريق «شبين - قليوب» بالقرب من مزلقان كفر طحا دائرة مركز شرطة شبين القناطر. فى هذا اليوم كان الشهيد البطل متجهاً من منزله بقرية طحانوب إلى عمله بالقاهرة فاعترض طريقه عدد من الملثمين وقاموا بإطلاق أعيرة نارية تجاهه فى محاولة لاستيقافه وسرقة سيارته إلا أنه تبادل معهم إطلاق الأعيرة النارية، وأسفر ذلك عن مصرع أحد الجناة واستشهاد الضابط متأثراً بإصابته بطلق نارى، بينما تمكن باقى الجناة من الفرار. ولكن قوات الشرطة ألقت القبض عليهم مؤخراً، أهالى القرية ودعوا بطلهم الشهيد فى جنازة مهيبة لم تشهدها القرية طوال تاريخها. هذه هى حكاية قرية جمعت ما بين حب الوفد وعشق «عبدالناصر».. وجمعت أيضاً بين الضابط والقاتل.. بقى أن نشير إلى أن هذه القرية التى يسكنها حالياً حوالى 40 ألف نسمة منحت أصواتها فى انتخابات الرئاسة الأخيرة للمشير عبدالفتاح السيسى، ففى لجان مدرسة الثانوية العامة حصل «السيسى» على 2468 صوتاً مقابل 127 صوتاً ل«صباحى»، وفى لجان المدرسة الابتدائية التجريبية بالقرية حصل «السيسى» على 2017 صوتاً مقابل 36 صوتاً ل«صباحى»، وفى لجان المدرسة الابتدائية عوض موسى حصل «السيسى» على 2529 صوتاً مقابل 37 صوتاً ل«صباحى»، وفى لجان المدرسة الإعدادية حصل «السيسى» على 2123 صوتاً مقابل 95 صوتاً ل«صباحى».