باكتمال الخطوة الثانية من خارطة المستقبل، ووصول المشير عبد الفتاح السيسي إلي القصر الرئاسي، باتت الثورة المصرية علي بعد خطوة واحدة من اكتمال المؤسسات الدستورية للدولة، حيث يستعد المشهد الوطني لفعاليات الانتخابات البرلمانية. والواقع أن المناخ السياسي السائد في المرحلة الدقيقة الراهنة، لا يتيح خيارات سهلة أمام الرئيس الجديد في مواجهة جملة من القضايا، بالغة الأهمية والخطورة، ذات التشابكات الواسعة فيما بين الداخل والخارج، ربما علي نحو غير مسبوق. فلم تشهد الدولة المصرية ظرفاً تاريخياً مماثلاً تُستدعي فيه العديد من الأطراف الخارجية إلي المشهد الوطني، داعمة كانت، أو راغبة في اقتطاع أجزاء من الأمن القومي المصري لصالح رصيدها من مقومات أمنها القومي، فيما يحد كثيراً من قدرتنا علي احتمال تداعيات العودة إلي نقطة الصفر، إذا لم تنجح خطواتنا في تثبيت المسار الثوري علي الطريق الصحيح لعملية التحول الديمقراطي. وفي الشأن الفلسطيني، لنا النموذج الأوضح علي تداعيات المشهد الداخلي علي الساحة الإقليمية، فقد نجحت مؤخراً المساعي الرامية إلي مصالحة فلسطينية، غابت طويلاً، وعانت القضية الفلسطينية بانتظارها كثيراً، فخرجت إلي النور مؤخراً حكومة فلسطينية، تحظي بدعم وتأييد مختلف المكونات الفلسطينية، وإن واجهت علي الساحة الخارجية بعض التردد، وربما الشكوك، إلي جانب الرفض الإسرائيلي. وليس من شك أن سقوط النظام الإخواني في مصر، كان دافعاً إلي محاولة منظمة حماس، إعادة توفيق أوضاعها علي الساحة الإقليمية والدولية من خلال الانخراط في جهد فلسطيني مشترك، بعد سنوات قضتها في ظل مصطلح «حكومة حماس المقالة»، وقد «نحتته» التجربة الفلسطينية في الأدبيات السياسية بتفرد مثير للدهشة، لا يماثله إلا كون الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بات هو الوحيد علي الساحة الدولية. من جانب آخر كان للمشهد الوطني تداعياته علي الأوضاع في الخليج العربي، بعد انحياز حكماء العرب في دول مجلس التعاون الخليجي لمقتضيات الأمن القومي العربي، وما تفرضه من ضرورة دعم الإرادة الشعبية الحرة التي عبرت عنها الملايين الثائرة في الثلاثين من يونية. والأمل مشروع، وحق وواجب، في نجاح المساعي الهادفة إلي تصحيح توجهات سلبية ضلت طريقها إلي سواء السبيل العربي. والواقع أن جملة من الملفات الأخرى، الإقليمية والدولية، لا يتسع المقام لذكرها تفصيلاً، باتت علي صلة وثيقة بتطورات الأوضاع علي الساحة الداخلية، وهو أمر لا ينبغي احتجازه في نطاق ضيق لا يتجاوز المردود الاقتصادي السريع، المتمثل في مساعدات ومعونات اقتصادية، بل تقتضي الضرورة أن نجد لتشابكات الشأن الداخلي والشأن الخارجي، صداها فيما نضعه من أولويات علي أجندة العمل الوطني في المرحلة المقبلة. ربما في ذلك بيان لخطورة الإفراط في تفاصيل المشهد الوطني، وتصعيد مجموعة من القضايا المناهضة لما نمتلكه من قواسم مشتركة لا ينبغي التفريط فيها أمام حتمية مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بالأمن القومي. فنظرة موضوعية إلي تداعيات المشهد الداخلي علي الأمن القومي المصري، بالقطع لا تتيح لنا رفاهية الانتظار طويلاً دون وضع أسس العمل الوطني المشترك الكفيل بصياغة سياسة خارجية واعية ومتوازنة، تستند إلي ما يميز العلاقات الدولية المعاصرة من مصالح مشتركة، واحترام متبادل، في ظل مفهوم القوة الشاملة للدولة المصرية؛ ومن ثم فدلالات الشأن الداخلي لا يمكن استبعادها، أو التقليل من أثرها. وعليه، فاستنادنا لا ينبغي أن يدوم طويلاً إلي رغبة وحرص بعض الأشقاء علي دعم الدولة المصرية؛ فليس في ذلك بديل مناسب عن جهد وطني جاد ومخلص في ذات الاتجاه. «الوفد»