ألقى نبيل فهمى وزير الخارجية كلمة مصر فى المؤتمر الوزارى السابع عشر لحركة عدم الانحياز المنعقد فى الجزائر. وأكد فهمي في الكلمة أن اجتماع اليوم فرصة لمراجعة ما حققوه من إنجازات، وتقييم ما يواجهونه من تحديات، قائلًا: "مثلما نجحت حركة عدم الانحياز فى تحقيق التعاون بين دولنا خلال الحرب الباردة، مازالت الحركة قادرة على أن تكون طرفاً فاعلاً في النظام الدولى الجديد، والذى تتغير ملامحه يوماً بعد يوم، فدول الحركة تشكل 55% من سكان العالم، ويمثل أعضاؤها ثلثي أعضاء الأممالمتحدة، وتساهم الدول أعضاء الحركة ب 80% من قوات حفظ السلام في الأممالمتحدة، وإنما تقتضى المصالحة والأمانة الاعتراف بأنه ورغم ما تعكسه تلك الأرقام من قدرة على التأثير، فمازال أمام الحركة مساحة واسعة لتوظيف هذه الإمكانيات لتحقيق تطور نوعى على النظام الدولى". وأضاف أن "التحديات في عالم اليوم في تزايد مستمر، سواء كانت تحولات سياسية ودولية وإقليمية، وأزمات إنسانية، وانتشار وتفاقم خطر الإرهاب على المستوى الوطنى وعبر الحدود، واستمرار مخاطر الهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة، وتهريب الأسلحة، والمخدرات، والقرصنة، وصولاً إلى مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل ولاسيما الأسلحة النووية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الدولية، وظاهرة تغير المناخ التى تمتد آثارها لجميع الدول والشعوب، وإن شعار المؤتمر، "تعزيز التضامن من أجل السلم والرفاهية"، وإن كان يعكس تاريخاً ثابتاً من التضامن داخل الحركة، فإنه يمثل في الوقت ذاته، هدفاً، بل ومنهج عمل، يتعين علينا جميعاً الاستمرار في اتباعه، لمواجهة التحديات، ولتحقيق الأهداف التى نربو إليها. وفى هذا الإطار، ينبغي على الدول أعضاء الحركة تقييم التحولات والتجمعات والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية، وذلك للنظر في الدور الذى يمكن للحركة القيام به مع التجمعات والتكتلات، أو فى إطارها". وأوضح فهمي أن التنوع فيما بين الدول أعضاء الحركة كان دائماً مصدر قوة لها، وجعل من الحركة نموذجاً لتجمع ناجح استطاع أن يستفيد من الاختلافات، ومواطن القوة المتنوعة، فيما بين دولها لتحقيق أهداف الحركة. ومن ثم، فإننا يتعين أن نستمر في ذلك النهج، وأن ننظر إلى الاختلافات فيما بيننا كتنوع في القدرات يزيد من قوتنا، بدلاً من النظر إليه كسبب للتشتت والضعف، مع ضرورة الاستمرار في الالتزام بالمبادئ التى طالما احترمتها دول الحركة كاحترام القانون الدولى وحقوق الإنسان، وسيادة واستقلال الدول. وأشار إلى أن اجتماع اليوم يتزامن مع خطوة هامة فى طريق تحقيق مصر ثورة مجتمعية شاملة تستجيب لتطلعاته نحو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وذلك بإجراء الانتخابات الرئاسية وسوف ننظم خلال أشهر انتخابات برلمانية، نستكمل من خلالها بناء المؤسسات الديمقراطية المصرية، وذلك في سبيل الوصول إلى دولة ديمقراطية كاملة العناصر، ولتحقيق النمو الاقتصادى والعدالة اللازمة لتحقيق الاستقرار المجتمعى، وبانتهاء تنفيذ خارطة الطريق، ستكون مصر قد اتخذت خطوات هامة وجوهرية نحو بناء نموذج لدولة قائمة على إعلاء قيم العدالة والحرية، واحترام القانون، دولة تهدف إلى تحقيق التنمية، والاستفادة من تنوع قدرات كافة مواطنيها في إطار القانون، دولة تقيم علاقات صداقة وإخوة مع الدول الأخرى، دولة تقوم بدورها الإقليمى الذى يتناسب مع حجمها وقدراتها، وذلك مع احترام مبدأ التعايش السلمى وسيادة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، دولة تسعى إلى حل ما قد يثار من خلافات بالوسائل السلمية وفى إطار القانون، دولة نأمل أن يحتذي بها فى النظام الدولى المعاصر. ومن هذا المنطلق، فإن رؤية مصر فيما يتعلق بالقضايا التى تتناولها الحركة سوف تتأسس على تلك المبادئ والتي نسعى لترسيخها لدينا. وقال فهمي "يتعين أن نتضامن جميعاً في مواجهة خطر الإرهاب الذى بات يفرض نفسه أكثر من أى وقت مضى، ليهدد جهود البناء والتنمية. وتدعو مصر الجميع لإيلاء ذلك الأمر أولوية قصوى، من خلال تنسيق السياسات الوطنية والدولية الرامية إلى مواجهته بقوة دون تردد، والالتزام بالقرارات الدولية والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. واضاف "لا يفوتنى في هذا الإطار أن أعبر عن التضامن مع أشقائنا في نيجيريا إزاء حادث اختطاف جماعة بوكو حرام الإرهابية لفتيات بريئات، مشدداً على رفض مصر التام لمثل ذلك الفكر الهدام، كما أشير في هذا السياق إلى أن ما شهدته الشقيقة مالى من زعزعة لاستقرارها خلال العام الماضى نبع من نفس الأفكار الهدامة، لذا لم تأل مصر جهداً للمسارعة في المشاركة في بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام في مالى". وأكد أن إصلاح الهياكل السياسية والاقتصادية العالمية شرط أساسى لتحقيق السلم والرفاهية. ويجب أن نعمل سوياً على تعزيز مساهمة الدول النامية فى إدارة تلك الهياكل، وصياغة توجهاتها، وفى ذلك الإطار فإنه ينبغى التأكيد على ضرورة إصلاح الأممالمتحدة، ومواصلة جهود إصلاح وتوسيع مجلس الأمن بصفة خاصة، بصورة تعزز من وضعية دول الحركة بحق في عملية اتخاذ القرار داخل المجلس، كما يتعين علينا تفعيل دور الجمعية العامة باعتبارها المنبر الجامع لضمير المجتمع الدولى. وقال فهمي "يجب توفير مناخ دولى موات يدعم جهود تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ومكافحة الفقر، ويراعى احتياجات ومطالب العالم النامى تطبيقاً لمبدأ المسؤوليات المشتركة مع تباين الأعباء. ومن أجل ذلك يتعين استمرار التنسيق بين حركة عدم الانحياز ومجموعة ال77 والصين، لتحقيق الأهداف المشتركة للدول النامية فى مختلف المجالات، مما يعزز التعاون بين دول الجنوب ومع دول الشمال كذلك، وعلينا كذلك، وبنفس العزم، التضامن من أجل تعزيز الحوار بين الحضارات، والثقافات، والأديان؛ كأحد دعائم التفاهم المشترك على المستوى العالمى لتحقيق الاستقرار والسلام، وهما عنصران أساسيان لتحقيق التنمية". وشدد على أن القضية الفلسطينية واستمرار احتلال إسرائيل للأراضى العربية يشكل بؤرة الخلل في منطقة الشرق الأوسط، فلا يمكن تجاهل ضرورة حل النزاع العربى الإسرائيلى، لصلته المباشرة بالعديد من التحديات التى تواجه الإقليم. فالتطلعات المشروعة للشعب الفلسطينى نحو التحرر من الاحتلال وتحقيق السيادة الوطنية لا يمكن تأجيلها لجيل تال. إن تضامن حركة عدم الانحياز مع كفاح الشعب الفلسطينى لنيل حقوقه المشروعة اتساقاً مع قرارات الشرعية الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وآمنة، وقابلة للحياة على حدود 4 يونيو 67، عاصمتها القدسالشرقية يُوجه رسالة بالغة الأهمية للعالم بأن القضية الفلسطينية قضية حق وعدل، وشرعية دولية. وإن وصول عملية السلام إلى طريق مسدود لا يجب أن يكون مصدر إحباط، فلا يوجد خيار أمامنا سوى مضاعفة الجهود، ليتم التوصل إلى حل القضايا الجوهرية من خلال المفاوضات مرة واحدة، وهى قضايا الحدود، والاستيطان، واللاجئين، والأسرى والمعتقلين، ورفع الحصار الإسرائيلى على قطاع غزة، والحسم فى مواجهة أي محاولات للنيل من المسجد الأقصى وسائر الأماكن المقدسة الواقعة تحت الاحتلال، كما نتطلع لتنفيذ المصالحة الفلسطينية كخطوة على طريق تحقيق هذه التطلعات من خلال مبادرة السلام العربية". وأوضح أن مصر تؤكد أن وقف العنف وانسحاب جميع القوات والمقاتلين الأجانب من سوريا، والتوصل إلى الحل السياسى، وحده، هو الذى يضمن وحدة الأراضى السورية وسلامتها الإقليمية، ويساهم فى تلبية تطلعات الشعب السورى نحو التغيير، والحرية، والديمقراطية. وتتابع مصر عن قرب تطورات تنفيذ عملية إزالة الأسلحة الكيماوية فى سوريا، والتقدم المُحرز فيها بإزالة ما يزيد عن 90% من المواد الكيماوية من سوريا، وتتطلع أن تكون تلك الإزالة خطوة نحو الحل السياسى على طريق إخلاء الشرق الأوسط بأسره من جميع أسلحة الدمار الشامل. وعبر عن تقدير مصر لجميع الدول التى استجابت للمبادرة التى أطلقتها خلال أعمال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بإيداع خطابات لدى سكرتير عام الأممالمتحدة للإعراب عن الالتزام بإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل، وأؤكد عزم مصر على مواصلة جهودها بالاشتراك مع دول الحركة وبمساعدتها القيمة لتحقيق أمن وسلامة شعبونا بإخلاء المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل. وأؤكد كذلك أن دول المنطقة متمسكة أكثر من أى وقت مضى، بالوفاء بالالتزام الدولى الذى أسفر عنه مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى لعام 2010 بعقد مؤتمر 2012 لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وأنه لا مجال للتذرع بأن الوقت غير مناسب، أو أن ظروف المنطقة غير مواتية. وأشدد كذلك على أن عدم عقد مؤتمر إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل سيؤثر بلا شك على فرص نجاح عملية المراجعة النووية لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. ولن تتخلى الحركة عن مطلبها بانضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار، وإخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية. واكد ان ما يربط بين دولنا هو تاريخ عريق، يعززه تصميمنا على تحقيق مستقبل أفضل لشعوبنا. ولقد كان نجاح الحركة دائماً رهناً بتضامنها واحترامها للتنوع بين أعضائها. وفى هذا الخصوص، فإن مصر تمد يدها بكل إخلاص للتعاون والتواصل مع جميع أعضاء الحركة لتحقيق تطلعات شعوب دول العالم النامى. وستظل دائماً فى طليعة الجهود الدولية لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة لجميع الشعوب. وسنحافظ على التزامنا بدعم الحركة للقيام بدورها المشهود لتحقيق السلام الدائم، والتضامن الفعال من أجل تحقيق السلم والرفاهية المستحقين لشعوبنا. شارك فى المؤتمر سوزانا مالكورا وكيل سكرتير عام الأممالمتحدة كممثلة له.