بالقطع علينا أن نقر بأنها باتت مشروعة، وقابلة للتحقيق، تلك الهواجس المخيفة المتصاعدة في الأوساط الثورية من عودة الأنظمة المعادية للثورة إلي المشهد السياسي، مع ما في ذلك من ردة تطيح بكافة الطموحات الشعبية التي انطلقت تفجر ثورة يناير المجيدة، لتسقط نظام مبارك المستبد، وتزايدت بشدة مع نجاح الإرادة الشعبية الحرة في تصحيح المسار الثوري في الثلاثين من يونية بعيداً عن مستنقع الحكم الإخواني الإرهابي، المرتكز علي ذات الأسس التي تبناها نظام مبارك علي مدى عدة عقود، حيث احتكار السلطة بعيداً عن متناول مختلف القوى الوطنية. فليس يخفي علي المراقب للمشهد الوطني تلك المحاولات المستميتة المبذولة من جانب نظام مبارك للتسلل خلف شعارات تأييد الثلاثين من يونية، ومشاركة ملايين الشعب مقاومة حكم الإخوان، ما أسفر بالفعل عن نجاح رموز نظام مبارك في المرور عبر بوابات متعددة، فأصبحوا علي مقربة من الساحة السياسية؛ تحت أغطية متنوعة، إعلامية وقانونية، في استنساخ بغيض لتجارب دولية عادت بمقتضاها أنظمة فاشية أسقطتها الشعوب الثائرة الراغبة في إحداث تغيرات حقيقية تتطلع من خلالها إلي مواقع أفضل علي طريق التنمية والحرية. واستناداً إلي أن المقدمات تشير إلي نتائجها، فإن الأمر علي هذا النحو يدفع باتجاه إعادة إنتاج أسباب الثورة؛ ومن ثم لا يدع تنامي نفوذ رموز نظام مبارك للقوى الثورية خيارات سهلة أمام حتمية مواجهتهم في منتصف الطريق، قبل نجاحهم في النفاذ إلي داخل العملية السياسية المنوط بها قيادة الوطن إلي إنجاز آمال ثورته. فلا ينبغي التهاون أمام محاولات فرض تغليب النظام الفردي علي الانتخابات البرلمانية المقبلة، خاصة وقد أظهرت الأحزاب السياسية الوطنية ما في ذلك من دعم لفرص عودة نظام مبارك المُعادى من حيث المبدأ لكافة التوجهات الثورية، فضلاً عن إمكانية تسلل بعض أنصار الجماعة الإرهابية، بينما الثورة لم تنجح بعد في فرض مبادئها وقيمها علي المجتمع، ما يعني أن تراجعاً عن سواء السبيل الثوري، هو أمر يلوح في الأفق القريب كنتيجة منطقية، وكأن ثورة لم تقم، وشعباً لم ينتصر لكرامته ضد دعاة «الاستقرار» الزائف، ولم يعلن انحيازه لهويته أمام تجار الدين. فإذا ما كان الأمر يستلزم من البعض ضرورة العمل علي تمرير قانون الانتخابات البرلمانية في زحام الاستحقاق الرئاسي، فإن القوى السياسية الوطنية تملك من الوعي والقدرة، ما يحول دون الالتفاف حول جوهر الإرادة الشعبية، وما عاد يليق بالوطن أن يتخذ من مفهوم «الحوار المجتمعي» سبيلاً إلي تضييع الوقت، وإضفاء مسحة زائفة من الديمقراطية، بينما الحال يتجه إلي غير ذلك، في استعادة لذات النهج شائع الاستخدام من جانب الأنظمة التي أسقطتها الثورة في الخامس والعشرين من يناير، وفي الثلاثين من يونية؛ ومن ثم تبدو الثورة المصرية علي هذا النحو وقد وقفت في مفترق طرق، تبحث عن ضالتها، وقد تكاثر الجمع البائد يقطعون الطريق أمام المضي قدماً نحو بلوغ غاياتها. من هنا كانت مطالبة الوفد بتأجيل إقرار قانون الانتخابات البرلمانية إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية، فأمام تجاهل مشروع قانون الانتخابات البرلمانية رغبة الأحزاب السياسية الوطنية في المناصفة بين النظام الفردي والقائمة النسبية، كحد أدني، لا بديل إذن عن وضع الرئيس المقبل أمام مسئولياته الوطنية، وبدلاً من توريث الرئيس المقبل لتركة قد يصعب تجاوز تبعاتها، دون تكلفة عالية، علينا أن نقر بحق الرئيس المقبل المشاركة في صياغة أسس حركة المجتمع الذي يقوده، مثلما يحق لنا أن نواجهه بتبعات انحيازاته. فليس يدعو إلي تكريس دور المال السياسي من النظام الفردي في الانتخابات البرلمانية، وقد شكل مرتكزاً رئيساً انطلق منه نظام مبارك طويلاً نحو احتكار السلطة، واستخدمته الجماعة الإرهابية بألوان شتى في اكتساب شعبية مُضللة. وعلي ذلك، وانطلاقاً من كون وحدة الأدوات تشير إلي ذات المنابع الفكرية، جاز لنا أن نؤكد أن حجز 80% من البرلمان المقبل للنظام الفردي، لا يعني إلا أن الثورة المصرية باتت في مواجهة حاسمة مع أنظمة أسقطتها، لطالما عاني الوطن جراء اعتمادها علي سطوة المال السياسي، وسمو الدين لدى الشخصية المصرية. فإذا ما تجاهل البعض كون العمل السياسي المؤسسي، يجد نموذجه الأمثل في أحزاب قوية، كسمة رئيسة للعملية الديمقراطية، فإن الدرس الوطني التاريخي يؤكد مفصلية الانتخابات البرلمانية في المجتمع المصري؛ فانتخابات برلمانية شهيرة، فشلت في إفراز تمثيل حقيقي للشعب، كانت المنعطف الأخير لنظام مبارك قبل سقوطه المدوي تحت أقدام الملايين الثائرة في الخامس والعشرين من يناير، وبرلمان جسد عجز الإخوان عن التجاوب مع القيم الديمقراطية، كان نواة لفشل حكم أزالته الملايين في الثلاثين من يونية.! «الوفد»