لطالما شكلت الإرادة الوطنية مرتكزاً رئيساً انطلقت منها رؤى ومواقف حزب الوفد علي مدى تاريخ طويل، قضاه الحزب حاكماً ومعارضاً من خلال موقعه الرائد داخل صفوف الجماهير. من هنا تجدر الإشارة إلي أن موقف الحزب من الانتخابات الرئاسية، ومساندته المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً، لا يمكن تناوله بعيداً عن التفاف الناس حول الرجل لانحيازه البطولي للإرادة الشعبية الطاغية التي انطلقت في الثلاثين من يونية، والتي عبرت عن مخاوف الناس من ضياع ثورة يناير، بوصفها الثورة الأم. واتساقاً من حزب الوفد مع مبادئه وثوابته، لا يملك الوفد إلا أن يجعل مساندته للسيسي رئيساً في إطار «المشروطية السياسية»، فهي مساندة مشروطة، تنطلق من انتماء مشترك جمع الوفد بالسيسي في موقفهما المنحاز للإرادة الشعبية الحرة، قدر ما كان الوفد جزءاً من تلك الإرادة، وداعياً إليها، ومبشراً بها؛ ومن ثم تستمر مساندة الوفد للسيسي رئيساً وفق ما يحققه من نجاح في إنجاز أهداف الثورة المصرية المُلهمة، وعليه...لا يملك الوفد دعماً يقدمه إذا ما انحرفت المسيرة عن سواء السبيل الثوري. والواقع أن الدور البطولي الذي أداه المشير عبد الفتاح السيسي، وبموجبه تخطى الوطن أزمة السقوط في هوة الحكم الإخواني السحيقة، يضع الرجل في مرتبة تعلو به فوق أن ينتظر حكماً يأتيه علي سبيل البيعة، مثلما يسمو الوطن، بتاريخه العريق، عن أن يُقدم علي سبيل المكافأة لرجل أدى دوره الوطني علي أكمل وجه؛ ومن ثم فقد لبي السيسي نداء الشعب وتقدم نحو الصف الأول من العمل الوطني، متصدياً لقيادة وطن في مرحلة عصيبة، يحكم فيها شعباً أنتج ثورتين هائلتين في أقل من ثلاثين شهراً، بل لا يعد تجاوزاً للحقيقة التأكيد علي أن الرجل جاء ليشارك في الحكم، فلم يعد حكم مصر حكراً علي موقع الرئاسة، وقد انتصر دستور الثورة لمبدأ توزيع السلطة، انطلاقاً نحو دولة ديمقراطية حديثة عادلة. وبالفعل فقد تجاوب الرجل مع المخاوف المشروعة من عودة نظام مبارك، وأعلن غير مرة أن الثلاثين من يونية ما هو إلا استكمال للخامس والعشرين من يناير؛ وبالتالي لا مكان لنظام أسقطته الإرادة الشعبية الحرة، سواء كان نظام مبارك أو نظام الإخوان. واستناداً إلي دستور الثورة، الذي شارك الوفد في صناعته، فإن ذلك الأمر لا يدفع بنا باتجاه إقصاء كل من كان ينتمي إلي الحزب الوطني المنحل، وقد كانت عضويته جواز مرور لمفاسد كثيرة، قدر ما كانت وسيلة البعض من الشرفاء لتجنب التنكيل والتشهير وسلب حقوقهم؛ وبالتالي فإن نظام مبارك الفاسد المستبد يُمثل في رموزه التي شكلت الأدوات الحقيقية لفساد حكم مبارك، وما عدا ذلك فهم في ساحة العمل الوطني علي قواعد الممارسة الديمقراطية، ووفق ما نادت به الثورة من مبادئ وأهداف. ولعل في ذلك إيضاحاً، ما كان له ضرورة، لو أن رموز نظام مبارك قد نجحوا في استيعاب الدرس الثوري علي نحو صحيح، ولم يعبروا عن افتقارهم لجوهر العملية الديمقراطية، فاتخذوا ذات مواقفهم العدائية من الوفد، وراحوا يزايدون علي مساندة حزب الوفد للسيسي رئيساً، فعابوا علي الوفد تكرار إعلانه كون تأييده للسيسي رئيساً يرتبط ارتباطاً عضوياً بتمسكه بمبادئ وأهداف الثورة، وقد غاب عن هؤلاء ما في ذلك من شرعية مُقدرة يستحقها الرجل، افتقدها نظامهم الذي حكم الوطن علي مدى عدة عقود دون الاعتراف بتدني شرعيته، وتآكلها بفعل ممارساتهم وسياساتهم التي ألقت بالوطن إلي الخلف عشرات السنين. من جهة أخرى، فإن مطالبة الوفد بضرورة تراجع رموز نظام مبارك عن المشهد السياسي، يصب بالقطع في رصيد ما يمكن أن نوفره من متطلبات نجاح السيسي رئيساً، فليس من شك أن رموز النظام الذي أفسد وجابه طموحات شعبه في التقدم نحو موقعه المستحق بين الأمم، لا يمكن لهم أن يشكلوا قوة دفع حقيقية تدعم نجاح مسيرة الرجل الذي اختارته الإرادة الثورية الحرة، التي أطاحت بهم، وأفشلت مخططاتهم في توريث حكم الوطن، وباعدت بينهم وبين مصالحهم الذاتية، وقد أبوا إلا أن تتنافي والمصالح الوطنية العليا. ولا شك أن العداء الذي يكنه رموز نظام مبارك الفاسد تجاه حزب الوفد، إنما يجسد حقيقة ما ينتابهم من هواجس تجاه تبعات الدور الوطني المنوط بالوفد النهوض به خلال المرحلة المقبلة، كونه أكبر وأعرق الأحزاب السياسية، وقد أطلق مساء الخامس والعشرين من يناير 2011، البيان الأول المعبر عن حالة ثورية حقيقية، وعانقت مواقفه المتتالية طموحات الملايين الثائرة، فاحتضن جبهة الإنقاذ، التي اختصها رموز نظام مبارك بالهجوم، بعد أن رفضت السماح لهم بالمرور عبرها إلي ساحة العمل السياسي، بحجة معاداتهم لحكم الإخوان، بينما الإخوان صنيعتهم، وشريكهم في كثير من الصفقات السياسية التي أفشلت الوطن، الأمر الذي اتضح في اعتناق حكم الإخوان لذات النهج الاحتكاري للسلطة، ولذات السياسات والممارسات التي حكم بها الحزب الوطني علي مدى عدة عقود. «الوفد»