بدأت، اليوم الأحد، في المنامة أعمال المؤتمر الدولي حول المحكمة العربية لحقوق الانسان تحت رعاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين. يشارك في المؤتمر 135 وافداً من مختلف المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وقرابة 100 شخصية من داخل المملكة. تضم الوفود المشاركة ممثلي المحاكم الأمريكية والأوروبية والأفريقية، وممثلي المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، وممثلي المنظمات الوطنية لحقوق الإنسان، وعدد من ممثلي المنظمات الدولية القانونية، إضافة إلى شخصيات معروفة في المجال القضائي، من بينهم الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ورئيس البرلمان العربي أحمد الجروان، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بجمهورية مصر العربية محمد فائق، إضافة إلى لفيف من القضاة والمحامين والمختصين في الجانب القضائي في مملكة البحرين. يهدف المؤتمر إلى إبداء الرأي وتبادل الخبرات ومناقشة النظام الأساسي للمحكمة، لإيصال وجهة نظر غير حكومية على النظام الأساسي، وتبادل خبرات دولية في هذا الشأن. وجاءت فكرة المؤتمر - وفقا لما أعلنه الأمين العام للمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان بمملكة البحرين في مؤتمر صحفي مساء أمس السبت - تلبية لمطلب من المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني عندما انعقد مؤتمر المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان العام الماضي بالعاصمة القطريةالدوحة، حيث قدمت البحرين مشروع النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، والتي جاءت بمبادرة من ملك البحرين. وكان قد أوصى مؤتمر الدوحة بمباركة هذا المشروع الرائد الذي يحقق مطالب الشعوب العربية لإيجاد آلية قضائية تحت منظومة جامعة الدول العربية. كما أوصى بعقد مؤتمر تتبناه مملكة البحرين بمشاركة منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لإبداء وتبادل وجهات النظر مع الحكومات العربية بشأن اختصاصات وآلية عمل المحكمة. وكانت فكرة المحكمة قد جاءت بمبادرة ملكية في فبراير من العام الماضي، وعرضت الفكرة على المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية وتمت الموافقة عليها بالإجماع ، كما تمت الموافقة المبدأية على مسودة النظام الأساسي للمحكمة في قمة الدول العربية بالدوحة عقب الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، تعقد عدة جلسات، تتركز حول المقارنة بين تجارب النظم القضائية الناجحة وتدارس إيجابيات وسلبيات النظم الحالية في الدول العربية وإمكانية تطبيق هذه التجارب. تناقش جلسات المؤتمر العديد من أوراق العمل، من أهمها الخطوات المنجزة في إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، ومسيرة الإصلاحات في جامعة الدول العربية في مجال حقوق الإنسان، ودور مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان في إنجاح عمل المحكمة، ودور البرلمان العربي في دعم أعمال المحكمة، وورقة عمل من الخبراء القانونيين المكلفين بصياغة مشروع النظام الأساسي للمحكمة، وكذلك تجربة المحاكم المماثلة (الأميركية والأوروبية والإفريقية) في حماية حقوق الإنسان. وتقام على هامش المؤتمر عدة ورش عمل حول مرئيات المنظمات والمؤسسات العربية لحقوق الإنسان بشأن النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، وتحديد العلاقة بين المحكمة العربية لحقوق الإنسان وآليات حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية، ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في دعم عمل المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وتقييم ومتابعة توصيات المؤتمر العربي حول تطوير منظومة حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية لعام 2013، والذي أوصى بتأييد مبادرة ملك البحرين بإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها البحرين كمشروع رائد لتطوير وتنمية وتعزيز حقوق الإنسان باعتبارها آلية قانونية ضرورية لدعم منظومة حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية. يذكر أن المؤتمر تنظمه أربع جهات تشكل فريق عمل متكامل، وهي جامعة الدول العربية والبرلمان العربي والشبكة العربية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بمملكة البحرين. ومن المقرر أن تتم صياغة الأفكار التي ستطرح خلال المؤتمر، في شكل توصيات، يعلن عنها غدا الأثنين، وترفع إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي الذي يشارك في المؤتمر، ثم تعرض على الدول الأعضاء ليتم تبني ما يرونه مناسبا في صياغة النظام الأساسي للمحكمة، والذي سيبت فيه بشكل نهائي في القمة الخاصة بالمجلس الوزاري التي ستعقد في شهر سبتمبر القادم بدولة الكويت لإقراره. وكان مؤتمر قد تم عقده في مصر مؤخرا حول هذه المحكمة المزمع إنشاؤها، حيث ناقش مسائل السيادة الوطنية، وطرح سؤالا حول إمكانية تعديل الميثاق العربي لحقوق الإنسان لوضع نص خاص بإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وهل سيتم عمل بروتوكول إضافي واختياري للانضمام إلى المحكمة، وهو الأمر المرجح حدوثه، حيث من المتوقع ترجيح فكرة البروتوكول الإضافي للانضمام الاختياري، وهو ما جرت عليه العادة في معظم اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية. وكانت لجنة رفيعة المستوى من الخبراء القانونيين قد أعدت مشروع «بروتوكول» للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، يتضمن 28 مادة، أولاها أن يتم إنشاء المحكمة في إطار جامعة الدول العربية، وتهدف إلى مراقبة تنفيذ الدول الأطراف التزاماتها الناشئة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وتتكون من 7 قضاة من مواطني الدول الأعضاء بالجامعة العربية، يكون اختيارهم بالانتخاب من قبل الجمعية عن طريق الاقتراع السري من قائمة تضم أسماء المرشحين من المشهود لهم بالنزاهة والالتزام بالقيم الأخلاقية العالية. كما يتضمن البروتوكول انتخاب القضاة لفترة مدتها 6 سنوات ، مع إمكانية إعادة انتخابهم لمدة تالية مرة واحدة فقط، وتنتخب المحكمة من بين أعضائها رئيسا ونائبا للرئيس لمدة سنتين، ويجوز إعادة انتخابهما لمرة واحدة. ويتضمن برتوكول المحكمة أيضا أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب إحدى الدول الأعضاء أن تصدر آراء حول أي مسألة قانونية ذات صلة بالميثاق، ويجوز للمحكمة في أي مرحلة من مراحل الدعوى أن تتعاون مع أطراف النزاع. الجدير بالذكر أن منظمات وطنية وعالمية معنية بحقوق الإنسان كانت قد دعت الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية إلى الى اجراء مشاورات موسعة مع جميع الأطراف المعنية حول مشروع نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وأن يتاح لهذه الأطراف الحق في المشاركة بشكل فعلي وحقيقي في جميع مراحل إنشاء المحكمة. وقد دعت المنظمات الى ضرورة أن يضمن النظام الأساسي للمحكمة استناد ترشيح القضاة وانتخابهم إلى إجراءات شفافة غير تمييزية تحمي من التدخلات غير المستحقة وغير الملائمة - على حد وصفها - وأن تستند العملية من بين عوامل أخرى، إلى توفر المؤهلات الشخصية والقانونية، والتوازن في تمثيلية القضاة والقاضيات، والتمثيل المنصف لمختلف النظم القانونية القائمة. كما دعت المنظمات الى ضمان ألا يكون القضاة ممثلين لدولهم، بل أن يكون عملهم في المحكمة بصفتهم الفردية المهنية. وأن ينتخبوا لمدة واحدة مطولة (نحو تسع سنوات) وليس لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وكذلك ضمان أن القضاة لا يمكن توقيفهم أو عزلهم عن مناصبهم إلا لأسباب عدم القدرة أو انتهاج سلوك يجعلهم غير مناسبين للاضطلاع بواجباتهم، وذلك بعد اتباع إجراءات مناسبة منصوص عليها مسبقاً تضمن حقوق القاضي المعني في جلسات استماع منصفة تلتزم بضمانات إجراءات التقاضي السليمة. ودعت المنظمات الى النص في النظام الأساسي على ان اختصاص المحكمة يمتد الى القضايا المتعلقة بالانتهاكات المزعومة للميثاق العربي لحقوق الإنسان، وعلى ان تفسر المحكمة أحكام الميثاق العربي بشكل يتفق مع الالتزامات الدولية الأخرى للدولة الطرف في مجال حقوق الإنسان. ورأت المنظمات كذلك ضرورة ألا يكون لمطلب استنفاد سبل الإنصاف المحلية اي أثر على منع أصحاب الحقوق من اللجوء للمحكمة العربية، وأن الشكاوى المرفوعة من الشاكي نفسه في الموضوع نفسه أمام محكمة إقليمية أخرى لحقوق الإنسان، هي التي تستبعد من نطاق اختصاص المحكمة العربية. وتتضمن ملاحظات المنظمات أيضا ضرورة ضمان أن جميع الأفراد في أراضي الدول الأطراف، أو الخاضعين لاختصاصها وولايتها، يمكنهم جميعاً اللجوء إلى المحكمة العربية في حال ادعائهم بوقوعهم ضحايا لانتهاك، ويدخل ذلك ضمن اختصاص المحكمة من قبل أي من الأطراف المتعاقدة، وأن الدول الأطراف في النظام لا تعرقل بأي شكل من الأشكال الممارسة الفعالة لحق اللجوء إلى المحكمة لأي شخص أو مجموعة أشخاص، لا سيما من خلال توفير الحماية الفعالة للضحايا والمشاركين الآخرين في الاجراءات امام المحكمة، ومن خلال ضمان عدم تعرضهم لأي من أشكال الضغط أو الانتقام كنتيجة لمشاركتهم في هذه الاجراءات. وطالبت المنظمات بإبعاد وتذليل أية معوقات قد تحد من لجوء منظمات المجتمع المدني إلى المحكمة، وضمان أن أية منظمة مجتمع مدني، وليس فقط المنظمات المعتمدة في الدول الاطراف، يمكنها رفع شكوى للمحكمة ضد أي انتهاك مزعوم من قبل أي من الأطراف المتعاقدة في نظام المحكمة. كما يجب أن ينص نظام المحكمة على سبل أخرى للجوء إلى المحكمة، بما في ذلك للأفراد أو المنظمات، بانضمامهم إلى الاجراءات امام المحكمة كأطراف مهتمة أو من خلال تقديم معلومات أو مذكرات ودية أو آراء خبراء. كما دعت الى توفير آلية مستقلة وفعالة للمراقبة تشرف على تنفيذ أحكام المحكمة، والتنصيص على أن المحكمة مختصة بفرض إجراءات محددة يجب ان تتبناها الدول من اجل تنفيذ الأحكام. وأكدت أهمية ضمان أن المحكمة مختصة بفرض إجراءات مؤقتة قد يتم اتخاذها إلى حين إصدار الأحكام النهائية، بما يضمن للمحكمة العربية القدرة على التدخل في الحالات التي فيها خطر ان يتعرض الشاكي لضرر جسيم لا يمكن جبره أو إصلاحه لاحقا. وكانت القمة العربية التي عقدت في الكويت مؤخرا قد أقرت موافقة المجلس الوزاري العربي مبدئيا على نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، على أن تتابع لجنة رفيعة المستوى المعنية بالموضوع دراستها لبعض مواد النظام. وخلال مناقشة وزراء الخارجية العرب في الكويت لموضوع المحكمة العربية لحقوق الانسان كانت هناك وجهتا نظر متباينتان، الأولى تقول بالموافقة المبدئية على نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، والثانية تدعو إلى استكمال الدراسة بشأنها. كما أن مجموعة من الدول أبدت تحفظاتها قبل قبولها بصيغة الموافقة المبدئية على هذه المحكمة.