قبل ان نتحدث عن ميثاق شرف يضبط الإعلام ويحصن المواطن والوطن من تجاوزات الإعلاميين، يجب أولا أن نشخص حالته ونقبض بأيدينا على عيوبه، والحديث هنا عن الإعلام نقصد به الفضائيات الخاصة، لأن السنوات الماضية، خاصة سنوات ما بعد الثورة كشفت عن عورات وسلبيات شديدة القبح والخطورة، على رأس هذه المشاكل، إشكالية علاقة مالك القناة بالرسالة الإعلامية، معظم الملاك إن لم يكن جميعهم يفرضون أجندتهم السياسية والاقتصادية على هذه الرسالة، ويغلب على الظن أنهم سعوا إلى إطلاق هذه القنوات ليس بهدف البيزنس فقط أو خدمة الوطن، بل كان الهدف الأساسي منها التخديم على مصالحهم، سواء كانت هذه القنوات اجتماعية أو خبرية أو دينية، وهنا يجب علينا أن نفض الاشتباك بين المالك والرسالة الإعلامية بقدر ما، صحيح لا يمكن الفصل بينهما بشكل كامل، لكن كما قلنا بالقدر الذي يتناسب والأمن القومي للمواطن وللوطن، وهذه الإشكالية يجب أن تكون على رأس بنود القانون المزمع إعداده وإجازته وميثاق الشرف المفترض مناقشته وتفعيله. الإشكالية الثانية التي نواجهها في الإعلام المرئي هى الإعلاميون، حيث يشكل معظمهم أزمة حقيقية فى المشهد من عدة وجوه، منها أن معظمهم يخلط بين الأدوار والوظائف، فيعيش الإعلامي دور المذيع والبطل والناقد والثائر والزعيم والمثقف والمسئول والقيادي والمحرض والقاضي وصانع القرار، وينسى دائما أنه مثل الصحفي مجرد أداة (نقل، وتفسير، وتوضيح، ومناقشة) وليس خطيبا أو قاضيا أو زعيما. كما أن معظم الإعلاميين يعملون بالصحافة المكتوبة، وهو يعقد المشهد لتداخل وسائل التعبير واصطفافها جنبا إلى جنب، حيث يخدم الاعلامى الصحفي على أجندة مالك القناة فى صحيفته، وهو ما قد يزيف الوعى فى مشكلة ما، فيظن المواطن البسيط أن الرأي الذي يصل عبر الفضائيات والصحف هو الرأي الصائب والذي يخدم على الصالح العام، مع أنه يخدم على مصالح مالك القناة، لنضرب مثالا نوضح به هذه الإشكالية، الصفقة التي وقعها عصام الأمير رئيس التليفزيون المصري مع مجموعة قنوات إم بى سى، هذه الصفقة أثارت حفيظة ملاك بعض القنوات الخاصة لأنها تستعين بشركة إعلانات لبنانية، وهو ما أثار غيرة أحد المساهمين فى فضائية يعمل بالإعلانات، كيف يستعين التليفزيون بشركة غير شركته أو الشركة المزمع إشهارها ويساهم فيها بعض القنوات الخاصة، فأثيرت الصفقة وحرض بعض المذيعين الحكومة، كما شوهوا الصفقة واتهموها بخرقها للأمن القومي وبيع تراث التليفزيون وغيرها من الاتهامات، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل إن بعض المذيعين الذين يعملون بالصحافة المكتوبة قاموا بنقل المعركة لصحفهم، وأفردوا مساحات للتحريض والتشويه واستدعاء بعض الموالين لملاك القنوات لكي يدلوا بشهادتهم ضد الصفقة، وهنا يتعقد المشهد أمام القارئ والمواطن البسيط، حيث يجد إلحاحا واصطفافا ضد الصفقة، الفضائيات والصحف وبعض كتاب المقالات وبعض النخب، لذا من الطبيعي أن يتبنى هو الآخر إدانة الصفقة والدفاع عن مصالح ملاك القنوات، الطريف فى هذه الأزمة ان تكون الحكومة ضعيفة ويستجيب رئيس الحكومة للحملة ويلغى الصفقة، الخطورة هنا تتمثل فى عدة محاور، أولاً: إن ملاك القناة يسخرون الإعلاميين لتحقيق أجندتهم، ثانياً: إن الإعلاميين الصحفيين يصطفون خلف صاحب القناة ويناصرونه لتحقيق مصالحه على حساب المصلحة العامة، ثالثا: إن الإعلاميين يستخدمون صحفهم لمساندة أجندة مالك القناة، رابعا: إن الإعلاميين يحاربون معارك ملاك القنوات حفظا على برامجهم والأموال والمكانة التى يحظون بها فى القنوات وأمام الرأى العام، خامسا: إن القضايا التى تهم المواطن والوطن يجب أن تقاس أولا على أجندة ومصالح رجال الأعمال ملاك القنوات والصحف، إن توافقت مررت، وإن تعارضت تكون الأولوية لمصلحة رجال الأعمال. المشكلة الثالثة في الإعلام الخاص، انه أصبح في معظمه أداة حكومية، أو أداة تروج للخطاب الحكومي وليس نافذة محايدة أو مستقلة، فالمتابع للقنوات الخاصة يعلم جيدا أن ملاك القنوات ومذيعيها يصطفون خلف النظام ويخوضون معاركه، لماذا؟، لأنها ستخدم على مصالح ملاك القنوات، والذى يقارن بين القنوات التابعة للدولة والقنوات الخاصة، يكتشف بسهولة أن قنوات الدولة أكثر شفافية وحيادية عن قنوات رجال الأعمال، وأقرب مثال لهذا: اصطفاف القنوات الخاصة خلف احد المرشحين للرئاسة وانتقادها وتشويهها لمنافسه. أظن أننا مطالبون بداية بأن نتفق على وضع تعريف منضبط للشرف الإعلامي، نوضح فيه علاقة الشرف بالحريات(التعبير والاعتقاد)، وعلاقته بالنظام الحاكم وبصياغة الرأي العام، وعلاقته بأمن المواطن والوطن.