التليفزيون المصرى مثل الطالب الفاشل، يعلق كل فشله علي شماعة الظروف؛ ودائماً هناك سبب جاهز لاستمرار فشله، وفي ظل الأحداث الحالية لا أحد يقترب من هذا التدهور الإعلامي الحكومي، إما من منطلق أن الضرب في الميت حرام، أو إيماناً بأنها مرحلة سيتم تجاوزها بعد استقرار الأمور في البلد وعودة الأحوال كما كانت سابقاً، من خلال سلسلة من البرامج الإعلانية التي تقدمها وكالات الإعلان بفريق عمل كامل من خارج التليفزيون، وتقدم في فترات الذروة مع الاستمرار في تقديم برامج التليفزيون العادية طوال اليوم وكفي الله أبناء التليفزيون الذين يعتقدون أنهم عباقرة شر الغرور والإحساس بقيمة إعلامية لا يملك معظمهم أي شيئاً منها، خاصة أن وجودهم في الأصل كان لأسباب لا تخرج عن الواسطة والمحسوبية والتوريث. وبالطبع المشاهد المصري تعامل في البداية مع هوجة أبناء التليفزيون وغزوات طرد كل الإعلاميين من الخارج من منطلق إعطاء الفرصة لعل وعسى، وخليك مع أبناء التليفزيون للآخر، وعند اكتشاف تلك الأكذوبة الكبيرة التي مازال يعيش فيها إعلامو المبني، اكتفي المشاهد باستخدام الريموت كنترول للابتعاد عن كل ما هو حكومى، وكان هذا حلاً عبقرياً أنقذهم من المأساة المزدوجة يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، فاكتفوا فقط بالإحساس بمرارة أحداث التحرير من خلال مشاهدتها علي الفضائيات المصرية الخاصة أو من خلال (B.B.C) والجزيرة والعربية، وإذا كانت الفضائيات المصرية الخاصة في بعض برامجها تجنبها التوفيق لكونها تعاملت مع الأحداث بأفكار سابقة التجهيز إذا نظرنا للأمر بحسن النوايا أو بوجهة نظر موجهة إلا أن هناك برامج أخري حاولت تقديم رؤية واضحة للأحداث من جميع الأطراف وعلي المشاهد إعمال عقله لمعرفة الحقيقة التي تبدو واضحة وجلية للناظرين، وإذا قمت بتحليل الأحداث بحيادية تامة وبعيداً عن الأهواء الشخصية وظهر هذا واضحاً في برنامجي «العاشرة مساء» و«بلدنا بالمصري» فالأطراف كلها متواجدة، وهناك من يتهم الشرطة ويتكلم عن استمرار أسلوب التعامل السابق مع الجمهور والعودة إلي ما قبل الثورة بل وتجاوز ذلك إلي حد الانتقام من الثوار وكان لهذا الرأى ما يؤيده بالكلام ولقطات مصورة بكاميرا «الموبايل»، وهناك من يتكلم عن دور البلطجية ومحاولات إجهاض الثورة وفلول النظام، خاصة بعد حل المجالس المحلية. وأياً كانت وجهة نظرك المكونة انحيازاً إلي أي من الطرفين إلا أنك غالباً ما تصل إلي الإيمان بأن هناك تجاوزاً من الشرطة موازياً لوجود تدخل من البلطجية لإثارة الفتنة مما أدى إلي مأساة يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، أما في التليفزيون المصري وإذا أوقعك حظك التعس لمحاولة معرفة الأحداث من خلاله كما فعل وزير الداخلية والذي قال لأهالي الشهداء عندما التقي بهم إن المعلومات التي لديه استقاها من التليفزيون المصري الذي اكتفي يوم الثلاثاء بترديد أن الشرطة تحاول احتواء ما يفعله البلطجية من فوضي في التحرير واكتف بنقل ضعيف وباهت للأحداث، كما كان يحدث إبان ثورة 25 يناير وكأننا عدنا مرة أخرى إلي تليفزيون الدولة الذي لا يري إلا ما يريده النظام ويردده كالببغانات بلا أدنى تفكير أو دراسة للأحداث المحيطة، وظل مستمراً صباح الأربعاء بهذا الأداء العقيم يتخلله برامجه العادية وفقراته الدرامية إلي أن جاء وقت المباراة وما بعدها والتي ركزت علي تلك الأحداث وكأنه لم يحدث شيء في مصر وما حدث يخص كوالالمبور. وعلي المتفرد والباحث عن الحقيقة إما النزول إلي ميدان التحرير والتحقيق مع جميع الأطراف، أو الاتجاه الأسهل بالريموت كنترول إلي برامج وفضائيات أخري مازالت تحترم عقلية المشاهد وتتعامل معه من منطلق أنه مواطن من حقه معرفة الحقيقة. وينقذ نفسه من التليفزيون الذي يتعامل معه وكأنه محطة محلية في كفر طهرمس لا تعرف شيئاً آخر عن خارج الحدود وما حدث في التحرير لا يهمه سوي من خلال البيانات الحكومية والرؤية الوحدوية.