ثمة ملاحظة تقلقني جدا، حاولت كثيرا أن أتجاهلها، ما هى؟، النخب، وماذا يفعلون؟، يعلنون فشلهم ويؤكدون أن معظمهم لا يصلح سوى للتبخير، مجرد توابع أو سنيدة. الذي يعود لتصريحات الشخصيات التي تتصدر المشهد السياسي والإعلامي، سواء كانوا من الشباب أو الجيل الوسط أو كبار السن، يكتشف أنهم رغم اختلاف الأيديولوجية والرؤى والأجندة، يرشحون الفريق أول عبدالفتاح السيسى لرئاسة البلاد، وجميعهم (جميع من يرشحون) يرون أن البلاد في حاجة لرجل قوى وشجاع، هذا الرجل هو السيسى. بعد ثورة 25 يناير قامت نفس الشخصيات باختلاف توجهاتهم ورؤاهم وأيديولوجيتهم بالانسحاب وترشيح جماعة الإخوان لركوب الثورة وتصدر المشهد تحت عنوان أنها الجماعة المنظمة الوحيدة في مصر، والقادرة على قيادة البلاد. لا أحد يختلف حول ما قدمه «السيسى» ورفاقه من قيادات القوات المسلحة لإزاحة جماعة الإخوان من المشهد السياسي امتثالا لرغبة الجموع الغفيرة من الشعب المصري، وليس هناك خلاف أيضا حول رغبة أغلب المصريين فى تولى «السيسى» رئاسة البلاد، قد لا نختلف بالفعل حول «السيسى»، لكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: لماذا تنسحب هذه النخب من تولى المسئولية وتقوم دائما بطرح آخر بعينه؟، لماذا لم تتقدم شخصية من بينها للمنافسة على تولى المسئولية؟، لماذا مع اختلافهم فى العمر والثقافة والرؤى هربوا من تولى المسئولية ورشحوا آخر فى صورة البطل المخلص لتولى المسئولية؟، لماذا تحتل هذه النخب الضعيفة المشهد السياسى؟، وما هى فائدتها إذا كانت تدفع بالآخرين لقيادة المشهد؟، وهل فشلهم وضعفهم هذا هو الذى اضاع من عمر الثورة ثلاث سنوات؟ الذى يتأمل تصريحات وقرارات معظم النخب السياسية يكتشف بسهولة انها مازالت تفكر بنفس ذهنية ما قبل ثورة يناير، حتى الشباب الذين ينسبون لأنفسهم تحريك الجماهير ويطنطنون ليل نهار فى الصحف ووسائل الإعلام يفكرون للأسف بنفس الذهنية الموروثة ومحفورة فى ذاكرتنا منذ سنوات طويلة، وهى الحاكم البطل الفرد، المخلص القوى الجسور، الديكتاتور العادل، وهذا التفكير أو هذه الآلية الوهمية هي التي تجعلنا نضحي بالدولة والمؤسسات والقانون وحكم الجماعة من أجل البطل المخلص. والذي يعود إلى فترة حكم الرئيس محمد مرسى وعشيرته سوف يتذكر جيدا أن جماعة الإخوان كانت تستبدل شخصيات نظام مبارك بشخصيات من العشيرة، ولم تفكر للحظة في تغيير آلية الحكم، استخدموا نفس الماكينة التى كانت تستخدم فى سنوات الرئيس مبارك، مع تأكدهم أن هذه الماكينة أصبحت متهالكة وقد عفا عليها الزمن، وأن العالم يستخدم ماكينات أحدث وأقوى وأسرع. بعد ثورة يناير كتبت هنا مطالبا بأن نقوم بفرمتة النظام الحاكم، والفرمتة التى كنت أقصدها هى مسح جميع بيانات الحاسوب أو النظام الحاكم واستبدالها ببيانات مغايرة تماما، بيانات او نظام يعتمد على المؤسسية وتداول السلطة وإدارة الجماعة، لا اختزال البلاد فى شخص بعينه. السؤال الأخير الذي قد يغضب البعض، وقد يثير حفيظة البعض الآخر: هل النخب الحالية التي اعترفت بفشلها وعدم قدرتها على تحمل المسئولية من المتوقع أن تساهم فى تغيير حقيقي للمشهد السياسي والاجتماعى؟، ما هو المتوقع من نخب لا تجيد سوى دور السنيدة للبطل؟، هل هؤلاء السنيدة الذين كانوا يلعبون نفس الدور أيام الرئيس مبارك والرئيس مرسى ويبايعون اليوم الفريق «السيسى» سوف يشاركون مرة أخرى فى نظام الحكم القادم؟، وهل الشباب الذين يفكرون بنفس الآلية، والذين اختاروا دور السنيدة قادرون على المشاركة في إدارة البلاد بهذه القدرات؟، وهل الحاكم الذي يعتمد على سنيدة وحملة مباخر من الشيوخ والشباب ينتظر منه تغيير المشهد والنهوض به؟، هل مصر بعد إراقة دماء المئات من أولادها سوف تظل حبيسة ذهنية وقدرات شخصيات لا تجيد سوى لعب دور السنيدة؟